لماذا قد تكون المنافسات المعمارية المفتوحة جيدة للمعماريين؟

9

على مدى قرونٍ والمنافسات المعمارية المفتوحة هي التي تُعرفنا على المعماريين. إذ لولا قدرة المنافسة على استخراج الإبداع من داخلنا لما كان لدينا نصب تذكار فييتنام The Vietnam Memorial. ولولا استخدام العمارة للمنافسة كطريقةٍ لاختبار الإشارات المعمارية لما استطاع فريقٌ شابٌ أن يُسلم فكرته لتصميم جزءٍ من المخطط تاركين بقية الساحة العامة ولما كان لدينا مركز بومبيدو Pompidou Center في فرنسا. وبالعودة قليلاً بالزمن إلى الوراء، لولا خسارة رجلٍ إيطاليٍ في البداية لمنافسةٍ ثم تصميمه على زيادة وعيه المعماري لما كان لدينا الآن Brunelleschi’s dome.

والفكرة هنا أنه وعلى الرغم من أن المنافسات قد تبدو أحياناً متطلبةً جداً وغير عادلةٍ ربما، ولكنها تبقى أساس المهنة التي تدفع المعماريين للتقدم قُدماً. وبوضع هذه الفكرة في عقولنا دائماً، فلنجعل حديثنا الآن عن المنافسات المفتوحة على أمل إلهام القارئ وحثه لأن يستمع دائماً إلى غريزته التنافسية.

دعونا بدايةً نناقش مسألة تخفيض الكلفة والوقت، ففي حين نتفهم أن العمارة في النهاية عملٌ يكسب المرء عن طريقه عيشه، إلا أنه يستحيل على المرء اتخاذ العمارة مهنة للحصول على المال ولتحقيق أهدافٍ مادية فقط. وذلك أنه لو انصب الاهتمام على الجانب المادي فحسب، لبقي قلةٌ من المعماريين يمارسون مهنتهم بنجاح.

فالمعماري يمارس مهنته لأنه مولعٌ ومتعلقٌ بما يقوم به. وتخسر بعض الشركات المال أحياناً بتكريسها قدراً كبيراً من الإبداع لعرضٍ تعلم هي نفسها تماماً أن لا مردود مادي يُرتجى منه. ولكن لا يمكن بخس عرضٍ حقه في منافسةٍ ما لمجرد أنها لن تدفع كثيراً. وفي أغلب الأوقات تكون “الحياة الواقعية” خانقة بروتين الاجتماعات مع العملاء والأنظمة والقيود والميزانية والخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها.

وهنا يجد المعماريون متنفساً لهم في المنافسات المفتوحة ليستنشقوا هواءً منعشاً وليشعر المعماري بأنه يُصمم لنفسه حقاً.

كما أن العروض المقدمة للمنافسة، ولا نقصد هنا العرض الفائز فحسب, بل كل ما ينتج عن المنافسة له فائدته بفهم المهنة أكثر. فداخل المجال المعماري، يُمكن لشركاتٍ أخرى أو معماريين آخرين وطلاب أن يتعلموا من المقاربات والأطروحات المُقدمة.

ولكن قد تكون إحدى أعظم الأشياء التي يمكن للمنافسة أن تقدمها هي قدرتها على إشراك من هم خارج هذا المجال في العمل المطروح. وخذوا على سبيل المثال منافسة Ground Zero بنيويورك حيث تُركت الصور والرندرات المقدّمة من قبل المتنافسين معروضةً أمام العامة في موقع المشروع في Winter Garden عند المركز المالي.

وكان الناس والعائلات الذين لا يفقهون شيئاً في العمارة يمرون في المكان ويعشقون الإبداع الذي تعرضه المخططات. قد لا يستطيع الأطفال المارين وآبائهم أن يفهموا أدق تفاصيل العمل الذي يرونه وتقنياته ولكنهم يُعملون خيالهم ويفهمون الفكرة وراء كل تصميم… وهكذا، استطاعت المنافسة إشراك من هم غير معماريين بالعمارة وبكل حماسٍ أيضاً.

ولو ناقشنا الأمر عقلانياً نجد أن المنافسات تمنح المعماريين قدرةً على الهرب من حقيقة “العالم الواقعي” أحياناً، وتعيدهم لجذورهم ليسألوا أنفسهم لم قمنا بهذه الرحلة بادئ ذي بدء. وعندما يعودون للواقع، يُدركون أن المنافسة كانت ليخلقوا أفكاراً، وكم هو مهمٌ ألا ينسى المعماري أهمية الفكرة المعمارية بالدرجة الأولى.

وهنا علينا أن نعلم أن أنجح وأقوى الأفكار هي تلك التي يمكن تطبيقها على أرض الواقع. ولكن أن يدعي أحدهم بأن المنافسة عبارة عن أفكارٍ تصوريةٍ فقط لا نجد منها طائلاً مبنياً هو ادعاءٌ باطلٌ ولا شك.

فخذوا على سبيل المثال لا الحصر، مشروع عش العصفور Bird’s Nest من تصميم شركة Herzog+deMueron، أو تصميم شركة SANAA لمركز Rolex Center الذي أنهت إنشاءه حديثاً في معهد التكنولوجيا الفدرالي في لوزان بسويسرا، وهي عروضٌ كانت بالطبع مجرد أفكارٍ وتصوراتٍ ثم تطورت إلى أبنيةٍ حقيقيةٍ دون أن تفقد نوعية تصميمها الأول.

ولا يمكن التسليم بقوة فكرةٍ ما دون التأكد من مدى فاعليتها وفائدتها. فحتى المنافسات التي تهدف لتوليد “الأفكار” فقط تُبقينا متأهبين وفي حالة تفكير مستمرة. ونذكر مثلاً Antonio Sant’Elia و Italian Futurists الذين عرفوا تماماً بأن تصميمهم لا يمكن تنفيذه إلى شيءٍ ملموس، ولكنهم لم يتقاعصوا عن طرح تصميمهم الخيالي. فقد ألهمت تصاميمهم ومخططاتهم المفكرين بعد ذلك ليطوروا أفكارهم ويحولوا ما كان مخططاً إلى حقيقةٍ ملموسة بصورةٍ عمرانيةٍ جديدة. ويالها من طريقةٍ معبرةٍ تستحث الناس ليبدأوا التفكير متحديين التقاليد.

وكما يقول فرانك لويد رايت: “على المعماري أن يكون رسولاً… رسولاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى… فإن لم يتمكن من رؤية عشر سنواتٍ من المستقبل لا تدعوه معمارياً.” وهنا نختم بأن المنافسات تفتح أمامنا هذا الطريق لنقيّم الظروف ثم نخوض التجربة ونستكشف كل ما هو جديد. ونأمل حقاً بألا يفقد المعماريون دوافعهم وأن يتمكنوا دائماً من الإحساس بقيمة المنافسة.

إقرأ ايضًا