قصر فرساي الأسطوري… من السياسة إلى الفن

5

يُعدّ قصر فرساي الذي ظل لمدة ثلاثين عاماً على قائمة منظمة اليونيسكو للإرث العالمي، واحداً من أروع إنجازات الفن الفرنسي في القرن الثامن عشر. حيث قام الملك لويس الرابع عشر بنقل مقرَّي المحكمة والحكومة إلى فرساي عام ألفٍ وستّمئةٍ وثلاثةٍ وثمانين. ثم قام كلٌّ من الملوك الفرنسيين الثلاثة الذين عاشوا هناك حتى قيام الثورة الفرنسية بإضافة تطويراتٍ وتحديثاتٍ عدّةٍ لجعله أكثر روعةً.

أما الآن، فيُعرَف هذا القصر بأنه رمزٌ للتبعية الملكية وتجسيدٌ حيٌّ للفن الفرنسي الكلاسيكي. ففي القرن التاسع عشر، تبنى هذا القصر دوراً جديداً متمثلاً في العمل كمتحفٍ للتاريخ الفرنسي الذي تأسس بناءً على أمرٍ من لويس فيليب عَقِب توليه العرش عام ألفٍ وثمانمئةٍ وثلاثين.

وإلى فرنسا وفي هذا المكان بالتحديد، قرر فنانٌ معاصرٌ من اليابان أن ينقل موهبته الفريدة، ليعرضها في معرض قصر فرساي الأسطوري. إنه الفنان الياباني ذو الشهرة العالمية تاكاشي موراكامي.

وهكذا سيتألق هذا القصر، وبالتالي هذا الفنان، من خلال عملٍ فني مؤلفٍ من اثنتين وعشرين قطعة فنية تمّ تركيبها في أرجاء المكان كلِّه، من بينها إحدى عشرةَ قطعةً أبدعها موراكامي مؤخراً خصيصاً لتزيين هذا المعرض المتميز. ومن المقرر أن تُفتَتَح أعمال المعرض في الرابع عشر من أيلول، لتستمر حتى الثالث عشر من كانون الأول عام ألفين وعشرة.

بالحديث عن اليابانيين -بما فيهم هذا الفنان المعاصر- يُمثِّل معرض قصر فرساي الشهير بالنسبة لهم واحداً من الرموز العظيمة في التاريخ الغربي. فهو يرمز إلى الطموح للحصول على الأناقة والتعقيد والفن، هذه العناصر التي يمكن لمعظمنا أن يحلم بها فقط دون الأمل في تحقيقها مجتمعةً.

مع أن الجميع يعلم أن الشرارة التي أشعلت فتيل الثورة الفرنسية أتت مباشرةً من مركز هذا المبنى، إلا أنه -وبطرقٍ عديدةٍ- نُقِل الأمر برمته إلى جيلنا الجديد على أنه قصةٌ مذهلةٌ آتيةٌ من مملكةٍ بعيدةٍ جداً دون التعرض لتفاصيله الحقيقية التي ربما لم تكن مذهلةً بذلك القدر. وتماماً كما يجد الناس في فرنسا صعوبةً في إعادة خلق صورةٍ دقيقةٍ في عقولهم عن عصر الساموراي الغابر، بات من الصعوبة بمكانٍ أن نعتبر قصة ذلك القصر كشيءٍ حقيقي، وإنما نراها اليوم وكأنها قصةٌ محرّفةٌ عن الحقيقة.

لهذا من الممكن أن يكون القصر الذي رسمه الفنان في خياله متطابقاً مع فكرة المبالغة في تصوير الأحداث، محولاً إياه في عقله إلى نوعٍ من العالم الوهمي المنفصل تماماً عن الواقع. هذا ما أكد الفنان الياباني على محاولة وصفه وعرضه في هذا المعرض بالتحديد، ليكون كل شيء فيه موحياً بتلك الحقبة من التاريخ الفرنسي المجيد.

“أنا القط تشيشاير الذي رحَّب بأليس في بلاد العجائب بابتسامته العريضة الشريرة، وثرثر معها بينما كانت تتجول حول أرجاء القصر”، بهذه الكلمات عبَّر الفنان موراكامي عن فرحته العارمة وحماسه الشديد تجاه هذا المعرض، حيث قال مازحاً وداعياً العامة إلى زيارة القصر للتفرج على أعماله: بابتسامتي المرحة، أدعوكم جميعاً إلى أرض العجائب… إنما في قصر فرساي هذه المرة.

بهذه الاستضافة المشرِّفة لأعمال أحد فناني العصر الحديث، يكون قصر فرساي الشهير عالمياً قد فتح الباب أمام مبدعي الفن المعاصر في مكانٍ يعبق بتاريخ الفن الفرنسي كهذا القصر المهيب.

تُراها استطاعت تلك التصاميم الغريبة أن تعطي لهذا المكان قوة جذبٍ وإدهاشٍ إضافيتين، أم أنها هي التي استمدت جاذبيتها منه ؟

إقرأ ايضًا