مفروشات الألزهايمر

7

مع أن الهيكل قد يبدو مألوفاً، تبدو قطع المفروشات هذه وكأنها قد نجت من حريقٍ ضخم؛ ولكن الحقيقة تقول أنها لم تنجو من الحريق، بل ولدت منه!

تحت اسم Engineering Temporality، يكشف خريج أكاديمية التصميم في إندهوفن توماس ماركونبويكا تولفانين عن مشروعه الذي أكمله أثناء دراسته لنيل شهادة الماجستير.

يكمن تفرّد المشروع في فلسفته وفي طريقة تنفيذه وأيضاً في النتيجة التي توصل إليها؛ إذ يقوم على صناعة قطع مفروشات تبدو وكأنها ذكريات ضبابية متلاشية لقطع مفروشات أصلية، وهي فكرةٌ طرأت على بال المصمم بوحيٍ من الذكريات غير المتكاملة التي كانت تتبادر لجدته أثناء صراعها مع مرض الألزهايمر.

فحسب كلمات المصمم، انبثق مشروعه من “المأساة الشخصية الحاصلة داخل عائلتي: وهي تدهور صحة جدتي وصولاً لوفاتها. لقد كانت في يومٍ من الأيام امرأةً قويةً وجريئة، وهي الآن مجرد صورة باهتة عن ماضيها. فمرض الألزهايمر أخذ يفكك نسيج حياتها، عقدةً عقدة، مبخّراً جوهر شخصيتها وحياتها وذكرياتها، ومحوّلاً إياها إلى قشرة إنسان.”

من هنا استشعر المصمم ضرورة ربط التصميم بعالم العواطف البشرية وبالقيم التي تعكس كيفية محاولتنا كبشر خلق جسرٍ بين العالم المادي والماورائي باستخدام التصميم كوسيلةٍ للتعبير.

*التصميم:

ابتكر المصمم أجساماً تعبّر عن فكرة الهشاشة عبر الفضائل المادية والنفسية التي تعكس الحالة المؤقتة. أما عن اختيار المادة فقد تم وفقاً لما يعتبره المصمم مادةً إنشائية شائعة الاستخدام في صناعة المفروشات؛ حيث اختار الفولاذ الأسطواني.

تلاعب المصمم بأنابيب الفولاذ عن طريق قطعها إلى حلقات صغيرة. وبربط الحلقات ببعضها البعض من جديد تمكّن من تشكيل طبقةٍ تغطي بشكلٍ جزئي الجسم الموجود أصلاً، وهكذا كان بالإمكان التقاط المساحة الملموسة للجسم المشغل.

بعد ذلك تمت إزالة الجسم الأصلي بالنار، حيث يتلاشى كلياً بالحريق، ويبقى فقط الجسم الجديد المشكّل من الحلقات الفولاذية.

وهكذا يمر الجسم في عملية تحوّل ماديٍّ هائلة ويتشكّل رابطٌ ما ورائي بين الجسم والذكريات التي تم تشكيلها في جسم جديدٍ في الوجود.

وهكذا يتمكّن المصمم من إعطاء الجسم ذاكرة من نوعٍ ما، ناجحاً في خلق رابطٍ وتلاعبٍ بين الكتلة المثالية المجهولة التي أنتجت المادة الإنشائية وابتعاد الكائنات البشرية عن المثالية.

*ثقافة المادة:

يرى تولفانين أن استخدام اللغة في الثقافة الغربية المعاصرة يوحي بأن الذكريات غالباً ما تتشكّل كممتلكات: فنحن “نبقي” ذكرياتنا على قيد الحياة و”نحافظ” عليها، وكأن ذكرياتنا أجساماً ملموسة تتحول إلى تذكارات وممتلكات شخصية نحن مسؤولون عنها. وعندما تُخلق هذه الأجسام المحقونة بالذكريات، فإنها تتحول إلى أشياء ثمينة للغاية وغير قابلة للاستبدال، وذلك بسبب نقل الذكريات إليها.

*الصفة المؤقتة، والعناية والتواجد في مكان ما:

بحسب الفيلسوف مارتن هايديغر، تُعتبر الصفة المؤقتة هي ما يحددنا كبشر. والتواجد في مكانٍ ما هو نمطٌ مؤقت من الوجود. إن هذا التواجد هو ما يوحد الماضي مع الحاضر والمستقبل، وهي ما يشير إليها هايديغر بنشوات الحالة المؤقتة.

إن وجودنا في حالة التواجد في مكانٍ ما يكشف عن نفسه كعناية حقيقية. وهنا يمكن تلخيص فهم تولفانين لفلسفة هايديغر في أننا نعرّف ذواتنا عبر العناية بشكلٍ أعمق… نعرّف أنفسنا ككائنات بشرية.

باختصار، تكمن النية من هذه الأطروحة في ترجمة هشاشة البشر إلى جسمٍ تصميميٍّ، إلى جانب تقديم قيمٍ إنسانية أكثر عمقاً إلى عالم التصميم حيث الوظيفية والجمالية والكتل والمثالية المنتجة لها كلمة الفصل.

هذا تماماً ما يصبو إليه المصمم؛ تحويل التصميم إلى تجربةٍ ما ورائية تتخطى الوظيفية. ولكن هذا لا يعني أنه يجب التخلص من الوظيفية في التصميم والأجسام، ولكن يجب أن يتم الكشف عن الوظيفية المضجرة والمملة في الأجسام التي نتعامل معها في حياتنا اليومية.

وفي النهاية يبدو أن الحال هنا تماماً كما يصفه هايديغر؛ “فالحالة المؤقتة تكشف عن ذاتها بوصفها معنى للعناية الحقيقية. والوحدة الأساسية لبنية العناية تكمن في الحالة المؤقتة.”

إقرأ ايضًا