منزل ألفارو سيزا المجنون

7

يبدو أن المعماري الشهير ألفارو سيزا على وشك أن يغرق البرتغال بسيلٍ من المنازل الإبداعية، فبعد تصميمه لمنزله الشخصي هناك، والذي أتينا على ذكر تفاصيله في مادةٍ خاصة، هاهو سيزا يتعدى حدود المعقول والمألوف مقدماً منزل تولو الفريد هذا، والذي يعني اسمه “المنزل المجنون”.

يقع المشروع في موقع بمساحة ألف متر مربع، ويتضمن منزل عطلة مجهزاً بثلاثة غرف نوم وحمام وغرفة معيشة وغرفة لتناول الطعام إلى جانب مطبخ صغير مع مغسلة وحجرة للمؤمن وبركة سباحة خارجية صغيرة.

إلا أن قطعة الأرض التي يتربع عليها المنزل تتميز بانحدارها الشديد وشكلها الخاص؛ إذ تمتد بشكلٍ طويلٍ وضيقٍ للغاية؛ لكن مع سيزا ما من مشكلة على الإطلاق؛ حيث استطاع وعن طريق توجيه المنزل جنوباً أن يقدم لمشروعه تعرضاً شمسيّاً مثالياً مع إطلالةٍ مبهرة على المناظر الطبيعية بمساحة معيشة لا تتجاوز 180 متر مربع.

أما بالحديث عن التخطيط الداخلي للمنزل؛ فقد تم تنظيمه وتبعاً لأسباب وظيفية، بحيث يقع المدخل عند مستوى الشارع بشكلٍ يسمح بوصول السيارات إليه، إلى جانب توفير مدخلٍ آخر للمنزل عبر ممر مشاة ريفي يقع في الجهة الجنوبية.

وتبعاً لطبوغرافية الأرض المنحدرة للغاية، يتحول المنزل برمّته إلى كتل صغيرة مترابطة مع بعضها البعض، مما خلق تعدداً في المستويات يسمح باستخدام أكثر أمناً ومنطقيةً للأرض.

فبهذه الطريقة يمكن توضيح وظائف المنزل المتنوعة عبر الكتل ذات الارتفاعات المختلفة؛ والتي تم تخصيص كل منها لجزءٍ مفرد من المنزل، في الوقت الذي يعمل فيه سقف المنزل كرصيف دعم للحدائق، بطريقةٍ مشابهةٍ تماماً للأرضيات المصطبة والفناءات المتعارف عليها في الأقاليم الشمالية من البلاد.

الجدير بالذكر هنا أن التخطيط الطولاني للمشروع في مركز الأرض قد ساهم في المحافظة على كل الأشجار الموجودة مسبقاً في الموقع، والتي لطالما حظيت بحضور قوي في المكان، كما كان لهذا الشكل الطولاني دوره الهام في المحافظة على الاستمرارية مع المحيط المباشر للمنزل دون التأثير على سماته الأصلية، حيث يؤدي الشكل الناتج عن هذه البادرة الهندسية التجريدية لإدارة وحدات المنزل بحيث تتكيف مع الشكل الطبيعي للأرض بما يحترم المسافة الفاصلة عن الجيران التي تنص عليها القوانين، الأمر الذي يؤدي إلى إظهار الكتلة وكأنها تتحرك بشكلٍ طبيعيٍّ وبحريةٍ تامة.

يشير المصممون إلى أن عدم ثبات الأرض ومحدودية المصدر المالي لديهم قد أدت في النهاية للتوصل إلى منزل بوظيفة ثلاثية؛ أولاً على صعيد المنزل نفسه ومساحاته الداخلية، وثانياً على صعيد تنظيم مستويات الفناءات الخارجية بما يتناسب مع الأسقف ذات الارتفاعات المتنوعة والتي تؤمن للناس الاستخدام الخارجي للحديقة، وأخيراً فيما يخص خلق ممر مشاة يربط بين ممرات الطوابق العلوية والسفلية التي تحدد الأرض؛ وبهذه الطريقة يتحول المنزل نفسه إلى ممر، حيث يشكّل طريقاً خارجياً كاملاً تخلق فيه الأدراج رابطاً بين الفناءات الخارجية، تنعكس في مقابلها أدراج داخلية تربط وحدات المنزل عبر مستوياتها، وهكذا تتماشى الأدراج الخارجية مع الأسقف الداخلية.

وعلى الرغم من أن هذا المشروع يمثّل وحدةً متطرفةً في لغته من أقسامه الأربع، نجد أن صورته تتغير بشكلٍ كبير؛ إذ تظهر الكتلة كاملةً في جهة الجنوب الشرقي، في حين تبدو بطريقةٍ مختلفة في الشمال الشرقي، وتتماشى مع السياق المحيط بشكلٍ جذري في جهة الشمال الغربي والجنوب الغربي، فهنا لم يعتمد سيزا نمطاً معمارياً أفقياً ولا حتى عمودياً، وإنما وبفضل شكل هذه الأرض استطاع التوصل إلى نمطٍ معماريٍّ آخر… هي العمارة المنحدرة.

أخيراً يقول الكثيرون “رب ضارةٍ نافعة”، وهذا تماماً ما حصل مع سيزا في هذا المشروع، حيث أدت ضرورة دفن الكتلة جزئياً وقلة الموارد الاقتصادية، للتوصل إلى طريقةٍ مميزة لرفع الأداء الحراري الإيجابي للمنزل وزيادة عامل الأمان فيه.

حيث تمت تغطية السقف بطبقة عازلة حرارياً وألواح مسبقة الصنع مضادة للانزلاق، في الوقت الذي ستتم فيه ملء بعض الفناءات بالعشب الأخضر، بينما سيتم بناء الجدران القليلة غير المقاومة باستخدام بلوكات إسمنتية مملوءة بالرمل، ليتم فيما بعد طليها بالجص ودهنها باللون الأبيض في المساحات الداخلية، لتكتمل تماماً تحفة ألفارو سيزا الفنية.

إقرأ ايضًا