“مدينة الأطفال” لرعاية المرضى في هولندا

9

“Kinderstad” والتي تعني بالغة الهولندية “مدينة الأطفال” ما هي إلا نتاج المنافسة المعمارية للشباب في المجلس الوطني الهولندي للمهندسين المعماريين (BNA) جنباً إلى جنب مع مؤسسة Ronald McDonald للطفولة (Kinderfonds) في عام 2003، حيث حازت شركة SPONGE و Rupali Gupta بالاشتراك مع شركة IOU على الجائزة الأولى، كما ويتعين على الفائز في هذه المسابقة الوقت نفسه العمل على حدٍ سواء على داخل وخارج المشروع بما في ذلك الإدارة.

ويعتبر مشروع Kinderstad في أمستردام في هولندا، أول مشروع من بين المشاريع التي تقدمت لمسابقة BNA التي تم تنفيذها على أرض الواقع، وقد كان التشابه بين النتيجة والتصميم ملفتاً للنظر، كما وتم إقحام كافة التصاميم والأفكار الأخرى أثناء عملية التنفيذ، من جهةٍ أخرى فإن هدف المشروع يتلخص بانتشال الطفل المريض وأسرته وأصدقائه من بيئة المشفى المحيطة الكئيبة، والأخذ بأيديهم نحو جوٍ أفضل بكثير.

وللحظة ينسى زوار هذا النوع الجديد من دور رعاية الصحية المتخصصة بالأطفال المرضى بأن هنالك طفلٌ مريض، وطبعاً يسهم هذا الأمر من جهةٍ أخرى في تسهيل التطور الطبيعي للمرضى الصغار بين 4 و18 سنة على الرغم من العلاجات اللازمة؛ إذ لها من التأثير ما لها بشفاء المرضى، وتعتبر دار Kinderstad ملحقاً لجناح الأطفال في الطابق التاسع الواقع في الجناح الشرقي من المركز الطبي في جامعة أمستردام المجانية (VU أمستردام).

بالوصول إلى تفاصيل التصميم، يُعتبر التصميم الخارجي من أولويات العقد الذي نصت عليه المسابقة، وبوقوع الدار على سطح الجناح الشرقي من المركز الطبي، فإنها تحتل الطابقين التاسع والعاشر وتقوم في طريقها بتزيين المركز بكسوةٍ فريدة من الزجاج والتيتانيوم، ونلاحظ أيضاً بأن الطابق التاسع يظهر متراجعاً إلى الخلف عن المبنى القائم المرصوف بالقرميد من الجناح الشرقي وعن الطابق العاشر.

ونظراً لهذا الفجوة وتدلي الطابق العاشر، يحسب المرء بأن دار Kinderstad معلقة في السماء كسحابةٍ فوق المشفى، كما ويسهم في الوقت نفسه استخدام الزجاج والتيتانيوم بتعزيز التناقض البصري بين البنية الفوقية الخفيفة ظاهرياً وبين الكتلة القرميدية الثقيلة، أما الواجهة فتتألف في معظمها من الزجاج، ولكن في بعض الأجزاء تم استخدام التيتانيوم إلى الخلف من الزجاج.

إنها المرة الأولى التي يُستخدم فيها ثلاثة أنواعٍ مختلفة من أحجار التيتانيوم في هولندا دفعةً واحدة والتي نراها مبلورة بأبعادٍ تبلغ 15× 15 سم، فقد تمّ تجميع وتركيب هذه الأحجار في زوايا مختلفة تبعاً لميلان الواجهة وتحت السقف الخارجي، الأمر الذي يُسهم في التأثير على انعكاس الضوء وبعدة ألوان تختلف على طول اليوم.

وبالإضافة إلى انعكاس الضوء مقابل هذه الأحجار التي تقوم بإضفاء مؤثراتٍ ضوئية رائعة على المبنى والبيئة المحيطة، فإنها تقوم بامتصاص كافة التغيرات الجوية في السماء الهولندية، تبعاً لقدرة التيتانيوم على تأسيس طبقة حماية من التآكل؛ والتي تضمن بدورها بأن تقوم كافة الخدوش والأضرار بفعل الضوء بترميم نفسها بنفسها، على نقيض بقية المعادن التي تقوم بتشكيل غشاءٍ أكسيدي ملون يغطي أسطحها عادةً، ونتيجةً لذلك يتفرد التيتانيوم بعكس الضوء بشكلٍ دائم.

كما وتعطي الصور الشيقة التي تتمحور جميعها حول المواد الطبيعية، على شكل صناديق تم إقحامها في الواجهة ممتدةً من داخل المبنى عبر الواجهة الزجاجية إلى الخارج، صورةً عن تصميم داخل الدار، كما وتقوم بكسر الحدود بين الداخل والخارج، وأخيراً فإن تركيبة الخطوط الدقيقة من أحجار التيتانيوم البالغ عددها 20,000 مع الصناديق الملونة، تضفي على الواجهة مظهراً شيقاً خلافاً لواجهات المباني المكتبية المحيطة.

نصل إلى داخل الدار، حيث تتمحور فكرة التصميم بجعل الأطفال يستمتعون ما أمكن بقضاء الوقت في المساحة المفتوحة من الملعب الواسع، كما ويمكن ملاحظة العديد من الغرف الهادئة وبأجواءٍ ووظائف مختلفة، فقد ركز فريق العمل على الاستفادة من التناقض بين الانفتاح والتقارب..من التصادم والانسحاب.

إذ تتلخص فكرة التصميم الأساسية بجعل الأطفال على اتصالٍ دائم مع الخارج أي مع الطبيعة، وقد تحققت هذه النتيجة من خلال استخدام المواد الطبيعية مثل الخشب والحجر والصور المطبوعة، بالإضافة إلى الواجهة المفتوحة تماماً والنوافذ الكبيرة في السقف والتي تسمح بدخول الضوء الطبيعي في حين تعطي انطباعاً للأطفال بأنه وبالنظر 35 م إلى الأعلى -وهو ارتفاع الطابق- سيجدون سماءً خاصة بهم وحدهم، وترتبط جميع تفاصيل التصميم بهذا المفهوم بشكلٍ تسلسلي، فدار Kinderstad ما هي إلا مدينةٌ صغيرة مع ملعبٍ كبير ومنازل صغيرة وشوارع وأزقة تظللها عواميد إنارة شبيهة بإنارة الشوارع الحقيقية.

وتقوم أيضاً سلام الدار الخشبية بربط الطابقين بشكلٍ سلس للغاية، في حين تصلح هذه السلالم كمسرحٍ أو قاعة سينما، أما غرف الدار والتي تختلف من ناحية الحجم والوظيفة، فإنها تقع على شكل صناديق في المساحة المفتوحة، وقد تم تغطية هذه الصناديق بصورٍ كبيرة بوحيٍ من أشكال الطبيعة مثل الطحالب وجذوع الأشجار وأقراص العسل وقطرات الماء والصخور، ونرى هذه الصناديق وقد تم تثبيتها في الواجهة بغرض كسر الحدود بين الداخل والخارج، ولأسبابٍ صحية نلاحظ بأن المواد المستخدمة في صنع هذه الصور هي نفسها المواد التي صنعت منها الواجهة وذلك لاستحالة استخدام المواد الطبيعية.

تم تصميم الداخل بشكلٍ جزئي من قبل المعماريين، حيث تمت الاستعانة بطلاب أكاديمية Rietveld ولكن تحت إشراف المعماريين، ومازال هناك الكثير لاكتشافه في Kinderstad، ويظهر ذلك حالما تطأ أقدامك مدخل الدار، وهو عبارة عن نفقٍ بطول 8 أمتار والذي يشكل المعبر من المشفى إلى عالم Kinderstad الخيالي، كما ويقوم هذا النفق بتغيير شكله من المستطيل إلى المستدير .

أما بالحديث عن الإضاءة، فإن أضواء LED إلى الخلف من الأشكال البلاستيكية شبه الشفافة تسمح بخلق أجواءٍ مختلفة تتوافق والفصول الأربعة على طول السنة، وعلاوةً على ذلك، يمكن للمرء أن ملاحظة المسرح، والاستمتاع بموسيقى الديسكو التي ينظمها الدي جي وأيضاً بموسيقى الراديو أو التلفاز.

كما ويمكن للصغار تجربة قيادة الطائرات، من خلال مقاعد الطائرات الحقيقة وأجزاء الطائرات من مطار Schiphol والتي تم وضعها في غرفة القيادة الخاصة بهم، حيث يمكن من هنا سماع أصوات الطائرات الحقيقية ومشاهدة الأطفال بلباس الطيارين أو المضيفات.

إلى جانب غرفة القيادة هذه، يوجد ملعبٌ لكرة القدم برعاية Ajax، إنه ملعبٌ حقيقي بعشب صناعي وخطوطٍ بيضاء وأهداف، بوحيٍ من ملعب أمستردام لكرة القدم، فهنا فقط يمكن للأطفال مشاهدات تدريبات كرة القدم الحقيقية على شاشةٍ كبيرة مرتدين قمصان أبطالهم المفضلين.

وبالنزول قليلاً إلى الأسفل، يلحظ المرء سيارة من مصنع Spyker الهولندي المعروف بصناعة السيارات منذ 1880، ولكن تم استبدال الزجاج الأمامي هنا بشاشةٍ كبيرة، إذ يمكن هنا المشاركة في السباق -بشكلٍ ظاهري- على الطريق السريع الحقيقي بجانب Kinderstad، أما في ركن KPN Wizzkids فيمكن للأطفال استخدام الانترنت ومشاهدة الأفلام القصيرة ولعب مباريات افتراضية.

أما بعيداً عن هذه الأجواء الصاخبة، فيوجد ركنٌ للقراءة في جوٍ غاية في الهدوء، وأخيراً وليس آخراً هناك منزلقة يمكن للأطفال استخدامها لينزلقوا من الطابق العاشر وحتى التاسع.

ولجميع الآباء الراغبين في التقاط أنفاسهم للحظة، يوجد هناك مساحة أشبه بغرفة المعيشة، في سبيل تخفيف العبء عن كاهلهم.

إقرأ ايضًا