تقنية مبتكرة للبناء في البيئة الصحراوية

11

لا مكان هنا لعواصف الصحراء الرملية، ففي الحرم الأكاديمي في جامعة ولاية أريزونا ASU، تقوم كتل المشروع بحماية الطلاب والجامعة من عواصف الرياح الموسمية، ويُعزا ذلك إلى موقعها الاستراتيجي، فهي مثالٌ حي يخبرنا كيف استطاعت أريزونا ومكتب RSP المعماري بالإضافة إلى شركة Lake | Flato للعمارة ومقرها San Antonio خلق هذا المجمّع الذي يضمّ خمسة مبانٍ جديدة مستدامة في حرم الجامعة الدائري بهدف تحقيق التآزر في هذه البيئة الصحراوية.

وتقع الجامعة في Mesa على بعد حوالي 30 ميلاً إلى الجنوب الشرقي من مركز مدينة فينيكس Phoenix، ولكن موقع المشروع الذي يتربع على 245,000 قدم تربيعي لم يكن أبداً على هذا النحو، حيث تم بناء الحرم الجامعي في عام 1996 لتضمّ 1,000 طالب في حنايا مجموعةٍ متناثرة من المباني قديمة عديمة الجدوى، والتي باتت مهملة بالتزامن مع إغلاق قاعدة Williams للقوى الجوية عام 1993، وهكذا إلى أن جاء عام 2006 وجاءت معه زيادةٌ ملحوظة في أعداد الطلاب وصلت إلى 6,500 والتي يتوقع أن تتزايد لتصل 10,000 طالب و 40 تخصصٍ جامعي مع نهاية العقد الحالي، فقد حان الوقت لتوسعة الحرم الجامعي وخلق هويةٍ خاصةٍ به.

وبالفعل بدأ فريق التصميم بالاشتراك مع مكتب DPR للبناء ومقره Phoenix بالعمل على تصميم وتخطيط مجمّع الصفوف والمختبرات بكلفة بلغت 75,3 مليون دولار أمريكي، والذي يضم بدوره كلية التكنولوجيا وكلية الصناعات والأعمال الزراعية وإعداد المدرسين والإدارة، كما واتخذ فريق العمل على عاتقه وضع خطة رئيسة لربط الكتل الجديدة مع الحرم الحالي.

وعن المشروع الجديد يعلّق Ted Flato المدير التنفيذي في Lake | Flato of San Antonio قائلاً “لقد حاولنا إعادة الإحساس بالمكان وإضفاء البهجة على العمل والمعيشة في الصحراء.”

فمنذ عام 2005 يسعى القائمون على المباني الجديدة في أريزونا للحصول على شهادة LEED الفضية وعن أهمية هذه الشهادة يخبرنا Lew Laws مدير المشروع في مكتب DPR “إنها القوة المحركة للعديد من قرارات التصميم”، كما وقد أحرز المشروع مؤخراً على العديد من الشهادات الذهبية.

حيث وضع فريق العمل نصب أعينهم أثناء العمل على موضوع تشجير الحرم الجامعي الصحراوي، خلق مجموعةٍ من الكتل التي تتفاعل مع الأراضي المحيطة مع التأكيد على طبيعة البيئة الخارجية والداخلية للمنطقة، وعنه يقول Beau Dromiack المدير المساعد في RSP “لقد جاء القرار باختيار المواد الصحراوية الصلبة والمتينة”، وبالتالي تمّ تجنب استخدام مواد مثل جص ستوكو stucco أو أنظمة التشطيب والعزل الخارجي خفيفة الوزن والتي قد لا تصمد في هكذا بيئة قاسية، وبدلاً من ذلك اعتمد المصممون المواد المحلية أثناء تنفيذ الكسوة الخارجية مثل الاسمنت والزجاج والفولاذ المموج المقاوم للعوامل الجوية.

فقد تمّ تشييد المبنى ذي الإطار الفولاذي على 217 هيكل، يبلغ عرض كل منها حوالي 4 أقدام وبعمق 16 قدم، بالاستعانة بالمتعهد الثانوي وهي شركة Schuff Steel القادمة من Phoenix قبل الشروع بالتنفيذ، والتي شجّعت فريق العمل على استخدام الفولاذ والذي يتواجد بسهولة وبكل الأشكال والأحجام الصحيحة، الأمر الذي ساعدهم على الانتهاء من تشييد الكتل الفولاذية البالغة قرابة 1,900 طن في شهرين فقط.

كما وقد كان تقسيم المباني بدلاً من صبّ كتلة واحدة متجانسة قراراً عملياً للعمل في إطار مرافق الموقع والبنية التحتية الحالية إلى جانب العديد من الإيجابيات الأخرى، يتابع السيد Dromiack قائلاً “من خلال وجود مبانٍ أصغر وأكثر وضوحاً، يشعر المرء بأن مساحة الحرم الجامعي باتت أكبر.”

وبذلك تمّ تصنيف المباني إلى ثلاثة مجموعات على طول المحور الشرقي الغربي، وكل مجموعة من هذه المجموعات تضمّ مبنىً على شكل حرف L مصحوب بردهة مفتوحة على الخارج إلى الأسفل من وسط محورها الطويل، أما هذه المباني والتي تتألف من ثلاثة طوابق فتضمّ غرفاً للصفوف ومكاتب ومختبرات جافة ومائية.

في حين تضمّ كل مجموعة بدورها بناءً احتياطياً من طابقين وقاعة للمحاضرات بمساحة 12,000 قدم تربيعي ومبنىً مكتبي تابع للمجموعة الغربية، ويحتلّ كلٌ من استديو تجارب الأداء والمسرح على شكل صندوق أسود المجموعة الشرقية، أما البناء الاحتياطي التابع للمجموعة الواقعة في الوسط من طابق واحد، فقد تمّ تصميمه على قاعدة مسرح القاعدة الجوية السابقة، كما وتجري التحضيرات من قبل DPR و RSPلتحويل قطع أرض منفصلة إلى مدرج دراسي يستوعب 450 مقعد.

وتحظى كل مجموعة من هذه المباني ببرجٍ مميزٍ من ثلاثة طوابق والذي يمثل الباب الأمامي للمبنى، والذي يقابل ممراً أخضراً للمشاة على الجانب الشمالي، ويتميّز كل برجٍ بكسوةٍ مختلفة عن البقية، وعنه يخبرنا Dromiack قائلاً “يمكن للمرء ملاحظة الإيقاع الجميل الذي تخلقه المباني على طول طريق المشاة الخاص بالطلاب، حيث تمّ استخدام الغرانيت المتحلل بدلاً من الاسمنت للتخفيف من تأثير المناخ الصحراوي في Phoenix في إكساء سطح ممر المشاة.”

أما Flato فقد أوضح لنا بأن التفاعل بين المباني والمساحات الخارجية، قد جاء بوحي من الشوارع الضيقة والأسواق في مراكش، والتي تحيط بها عادةً المباني العالية التي تقوم بتظليل المارة، حيث تمّ ابتكار مجموعة متنوعة من الساحات والممرات تربطها شبكة من المداخل والتي تقوم الهياكل بتظليلها بنفس الطريقة، بالتوازي مع الألواح المعدنية المطلية والحواجز المعدنية المثقبة التي يتغير لونها وفقاً الطقس إلى جانب تعريشات من النبات المحلي تحجزها الأسلاك المعدنية وألواح من نوع Galvalume.

من جهة أخرى، قام فريق العمل بإجراء دراسة بهدف تخفيض استخدام المناطق التي تحتاج إلى التكييف مع مراعاة متطلبات التصميم، نتابع و Flatoالذي أكّد بأنّ اختيار الحجم المناسب هو أحد أهم الأمور التي يمكن للمعماري أن يقوم به لجعل المبنى أكثر استدامة قائلاً “لقد تمكنّا من بناء مساحات قلمّا تحتاج للتكييف وبالتالي استخدام أقل ما يمكن من الطاقة، ويُعزا ذلك إلى مراعاة المشروع للتصميم وعلى نحو فعّال.”

يكمل موضحاً “إن جميع الممرات إلى المختبرات والصفوف خارجية، وتتعرض إلى الحرارة مباشرةً، الأمر الذي يجعل من التكييف أمراً ضرورياً، ولذلك فقد تمّ تركيب المراوح الضخمة والأبواب الجزئية في ردهات الطوابق الثلاثة لخلق تيار هوائي، إلى جانب الممرات في ردهات الطابق الثاني والثالث التي تسمح بتدفق هواءٍ إضافي، وبينما تؤهل المداخل الخارجية العديد من الصفوف لتحظى بنوافذ على الجانبين لتحقيق أقصى قدر من ضوء النهار المتوازن، تقوم الحواجز المعدنية بمنع أشعة الشمس القاسية من اختراق حتى النوافذ الغربية.”

كما تمّ تركيب 11 من معالجات الهواء المتنوعة المبردة مائياً والتي تتميز بوجود جهازين للتبريد؛ حيث تبلغ استطاعة كل جهاز من هذه الأجهزة ذات الدفع المركزي والكفاءة العالية 600 طن، كما وقد قام مجموعة من خبراء الطاقة بإصدار قرار يقضي بأن على المشروع تحقيق نسبة 32,1 بالمئة من قانون ASHRAE 90.1-2004 للبناء، في سبيل الحصول على سبع نقاط من LEED.

نعود مرةً أخرى مع السيد Laws مدير المشروع في مكتب DPR الذي عقّب على مشاركة شركة Engineering Economics ومقرها San Antonio في المشروع قائلاً “لقد بدأت العمل معنا في نفس الوقت تقريباً الذي كان يتم فيه بناء الهيكل الفولاذي وقبل أن يتم العمل على أي من الأنظمة، وخلال المشروع كانوا عوناً كبيراً لنا وللمقاول المسؤول عن الأمور الميكانيكية، وبالأخص خلال الشهور القليلة الماضية أثناء اجراء الاختبار النهائي والموازنة والتكليف ببدء العمل.”

وبالانتقال للحديث عن المناطق الإسفلتية التي تعاني من سوء التصريف، فقد لاحظ فريق العمل بأن هذه المشكلة تتفاقم خلال أيام الأمطار الغزيرة وتصبح مصدر إزعاج بالنسبة للموقع الحالي، وجاء الحل بتوسعة نطاق المشروع والتي تتضمن نظام صرف في المواقع المجاورة والموقع الحالي بالإضافة إلى مركز صحراوي مفتوح، “والذي تحوّل إلى بركة من الصحراء تملؤها المياه والتي نراها الآن” على لسان Dromiack الذي يكمل قائلاً “وذلك عن طريق حفر الأراضي الصحراوية وتحويلها إلى نظام صرف صحي، الأمر الذي سمح لنا بإدراة مياه العواصف بالإضافة إلى كونه مرفقاً لطيفاً وسط الحرم الجامعي.”

وإلى جانب ذلك، قام فريق العمل بصهر وإعادة تدوير 3,500 طن من الإسفلت الموجود كأرضية في الموقع الحالي، مما ساعد بتوفير ما يقارب 400 رحلة تقوم بها شاحنات النفايات، بالإضافة إلى إعادة تدوير الاسمنت الموجود في الأرصفة القديمة على شكل مقاعد للجلوس وجدران استنادية حول المدرج الخارجي، أما وخلال عملية البناء، فقد تمّ تدوير حوالي ما يقارب 91 بالمئة من مخلفات البناء، وبالتالي تعزيز ثقة LEED أكثر وأكثر.

وأخيراً قام فريق العمل بإعادة زرع حوالي 30 شجرة صحراوية كبيرة في الحرم الجامعي والتي تتنوع بين الأشجار الصحراوية المعمّرة ومجموعةٍ من النباتات الشائكة، مما ساهم في الحصول على شهادة LEED كتقدير لفريق العمل الذي استطاع ابتكار مساحة مفتوحة منعزلة بنسبة 68 بالمئة عن نطاق المبنى، أما الأمر الملفت للانتباه في هذا المشروع بأن فريق التصميم لم ينتهي من العمل على هندسة المناظر الطبيعية والعمل على توسعة ممر المشاة في بقية أرجاء الحرم الجامعي، إلا بعد سنة كاملة من انتهاء المشروع الأولي.

وقبل الختام وبعد سرد مطول حول آلية البناء في هذا المشروع الضخم، نتوصل إلى نتيجة هامة يمكن تلخيصها بأن..لا شيء مستحيل في عالم العمارة!!

إقرأ ايضًا