طبرية تستلقي متألمةً لتتمتع كلية إسرائيلية بمناظرها

8

في الوقت الذي تمنع فيه السلطات الإسرائيلية دخول المساعدات من مواد البناء إلى قطاع غزة المحاصر، تقوم الشركات المعمارية الإسرائيلية ببناء ما يتيسر لها من المرافق التعليمية والجامعات وغيرها من المشاريع التطويرية. ولكم أن تستنتجوا الفكرة من ذلك.

إذ قامت شركة Schwartz Besnosoff الإسرائيلية بتصميم كلية كينيرت عند بحرية طبرية المغتصبة لتحتضن واحدةً من أهم المرافق التعليمية في فلسطين المحتلة. والحق يُقال هنا، فهذه الكلية تتميز بمساحة المكتبة الفريدة وتصميمها المحاكي للمناظر الطبيعية الخلابة التي تتربع في أحضانها.

بالحديث مفصلاً عن مكتبة عائلة روبيرت وياديل سكلير وهي إحدى أهم الجهات الممولة للمشروع الإسرائيلي، نحيطكم علماً أنه قد تم تصميمها بحيث تؤمن إيصالاً مثالياً للمعلومات، كما أنها تمثّل مكاناً يمكن لطلابها أن يقضوا فيها وقتهم في أجواءٍ تشجع على التركيز والدراسة. وطبعاً لا يعني ذلك أن المكتبة ستكون عبارة عن مكانٍ مملٍ وهادئ تماماً، على العكس تماماً، فهي ستمكّن روّداها من التواصل والتفاعل مع بعضهم البعض كونهم يمتلكون نفس الهدف من التواجد في المكان نفسه، وهكذا تصبح المكتبة عبارة عن مساحةٍ اجتماعيةٍ بكل ما للكلمة من معنى. فبناءً على تقدير معماريي المشروع لأهمية الدور الذي تلعبه النشاطات الاجتماعية والثقافية في تحديد وظيفة المكتبة، جعلوا من هذه المساحة تحديداً نقطةً مركزيةً في تصميم المشروع كله.

*البناء في حضن المناظر الطبيعية، والمناظر الطبيعية في قلب البناء

لقد كان للمناظر الطبيعية دورها المركزي أيضاً في تخطيط العمل، وهكذا وبهدف دمج مفهوم المناظر الطبيعية بالبناء، خلق المصممون بيئةً وليس بناءً. ومع أنه كان عليهم أن يلاقوا ويلبّوا متطلبات الخطة، فقد عملوا على خلق مكانٍ ينتفع من محيطه ويندمج معه ويسمح له بالمرور داخله أيضاً.

*المكتبة كممرٍ في الطبيعة

تم تخطيط المشروع بحيث يتمكن الزوار القادمين إلى الجامعة في زياراتٍ بهدف حضور اجتماعٍ معينٍ من القيام بجولةٍ بين الكتل المؤقتة والتلال المنتشرة في الموقع بمناظرها الخلابة الخاطفة للأبصار، وهكذا آمن المصممون بأن أفضل طريقةٍ للحفاظ على هذه الروح في المكان ستكون من خلال دمج فكرة ممرٍ ضمن الخطة.

وهكذا يظهر مبنى الجامعة وكأنه ينبثق من قلب الأرض كطيّة تبدو كتضريسٍ من تضاريسها يمر عبر أجنحته ممرٌ طبيعي بكل ما للكلمة من معنى. فابتداءً من العنصر المركزي العام الذي يمتد من الساحة الخارجية، ومروراً بالطية الذي يبدأ عند قاعة المدخل تم خلق فراغٍ داخليٍّ يبدو أشبه بمنظرٍ طبيعيٍّ داخليٍّ.

وعلاوةً على ذلك، تم تصميم مركز المبنى كعنصرٍ طبيعيٍ أيضاً، حيث يتم تحديد وتنظيم الحركة داخله بالتماشي مع المناظر الطبيعية، وهكذا تؤمن جميع مساحات الحرم الجامعي الداخلية والخارجية مكاناً قادراً على احتضان الفعاليات والأحداث المختلفة، كالحفلات الراقصة والمعارض الطلابية التي تجري في الساحة الخارجية، إلى جانب عروض الأفلام التي يمكن إجراؤها في الأجزاء العلوية من المنحدر المنزلق الداخلي.

أما بالنسبة للمنطقة المركزية والتي تمثّل الطية المرتفعة، فتجسد محور النشاطات وقلب المكتبة. وقد تم بناء هذا القسم كممرٍ منزلقٍ (رامب) يؤمن دخولاً متاحاً ووصولاً سهلاً لذوي الاحتياجات الخاصة، يكون مزوداً بمناطق جلوس غير رسمية بأحجامٍ مختلفةٍ، كما أنه يجسّد وسيلة وصولٍ إضافية إلى غرف تخزين الكتب.

*أوضاع تعليمية

ابتكر المصممون خطتهم واضعين نصب أعينهم إنشاء مساحات مفعمة بالحياة، ملهمة، ومتنوعة، تؤمن أوضاعاً مختلفةً لأنواعٍ مختلفة، ابتداءً من مناطق الجلوس الرسمية المطلة على المناظر الطبيعية، والتي تمثّل مناطق ملائمة لمتطلبات التركيز الأقصى عند التعلم، مروراً بمناطق الجلوس المخصصة للمجموعات ضمن غرف المحاضرات، والتي تتضمن أماكن للدراسة على الحواسيب بمواجهة المناظر الطبيعية أيضاً، وانتهاءً بالبيئة المريحة المهيئة للدراسة والجلسات غير الرسمية ضمن مجموعات.

وهكذا أراد المصممون ترتيب هذه المساحات المختلفة لتدعم بعضها البعض، وتخلق مع بعضها البعض تجربةً طلابيةً ضمن الحرم الجامعي. لذا جاءت النتيجة عبارة عن طابقٍ أرضيٍّ بإطلالةٍ بانوراميةٍ على المناظر الطبيعية وبحيرة طبرية، حيث يرتبط هذا الطابق عن طريق الأدراج والمصاعد بمستوى المدخل، دون أن يكون له أي رابطٍ آخر يصله بالمكتبة. وهكذا يكون هذا المكان هو الأنسب لتأمين أوضاعٍ مختلفةٍ للدراسة والتركيز والتفاعل في نفس الوقت.

تخونني الكلمات في ختام هذه المادة، فهل أكتفي بالدعاء لأهل غزة وفلسطين المحتلة بأن تأتي قوة خارقة وتنتشلهم من دمارهم وبؤسهم وسط منازلهم المدمرة ومدارسهم المحطمة، أم ألجأ لنوعٍ آخر من الدعاء من غير اللائق ذكره هنا؟

ترجمة وتحرير مي الصابوني

إقرأ ايضًا