متحف المحرقة اليهودية، أجواء داخلية بوحي الحادثة

2

قد يكون البعض على درايةٍ بالمحاولات الجادة التي يقوم بها يهود العالم يوماً بعد يوم لتثبيت نفوذهم، سواءً بالاستعطاف أو بالقوة، فمن أكاديمية ليبزكند الخاصة باليهود في برلين، إلى نصب المحرقة في مدينة بوردووك في لويزيانا، وصرح تهجير اليهود في إيطاليا، وغيرها الكثير مما قد يصعب حصره، يبدو أن الجهود تثمر وبشدة.

إذ تم افتتاح متحف الهولوكوست في لوس آنجلوس مؤخراً، وهو متحف الهولوكوست الأقدم في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تم إنشاؤه منذ عام 1961 على يد مجموعةٍ من طلاب ثانوية هوليوود ممن تعلموا الإنكليزية وأرادوا أن يؤسسوا مكاناً آمناً يحفظوا فيه ما تبقى معهم من صورٍ تذكارية وبزات معسكرات الاعتقال التي احتفظوا بها من فترة المحرقة.

قامت شركة بيلزبيرغ المعمارية بقيادة المعماري الأميريكي هاغي بيلزبيرغ بتصميمه. فعلى مساحة 32.000 قدم مربع يتوضع هذا المتحف فاتحاً أبوابه للعموم “مجاناً”، حيث تنغمر كتلة المتحف كلياً تحت الأرض لتعبّر عن تلك الفترة المظلمة من حياة الشعب اليهودي، خالقةً أعلاها مجموعةً من الأسطح الخصراء وممرات المشاة التي يمكن لعامة الناس المرور فوقها دون أن يدركوا بأنهم يمرون فوق سطح المتحف.

وكما متحف ليبزكند الشهير، يركّز هذا التصميم على إثارة المشاعر الانفعالية، حيث يلحظ الزائر خصوصية الأسقف ذات الارتفاع المنخفض وتميّز الجدران الإسمنتية المنزلقة التي تخلق منظوراً مختلفاً للمكان وترسم اتجاه حركة الزوار لتعطيهم ما يصفه بيلزبيرغ “بشعورٍ من عدم الراحة”.

لابد بأنكم تتساءلون عن نوعية إضاءة مكانٍ مغمورٍ كلياً تحت الأرض، نأتيكم بالإجابة هنا، فبالتلاعب بكثافة الفراغ وظلمته تتم إضاءة المساحات الداخلية بواسطة ملاقفٍ ضوئية تتدخل إضاءة طبيعيةً خافتةً من الأعلى. وبما أن المتحف قد جاء ليزيد من التعاطف مع اليهود والآلام التي مروا بها خلال فترة المحرقة والتي مازال العالم أجمع وحتى الآن يدفع ثمنها، يبدأ المتحف بتصوير بدايات قصة المحرقة ليصل تدريجياً إلى قصص معسكرات الاعتقال، حيث تلعب هنا ظلمة المكان والمساحات المحشورة الضيقة دورها في تقوية التأثير المعماري.

وفي النهاية، يشرح المتحف وبالتفصيل قصص الأمل والحرية، يصل معها الزائر إلى زاويةٍ ليعود عندها إلى الضوء. وهكذا يتطابق الشعور والتصميم والمعنى المجازي مع المعنى الحرفي لقصة العذاب التي عانها اليهود في معسكراتهم، والتي مازالوا وحتى اليوم يعملوا على إثارة المشاعر للتعاطف معهم.

وإذا ما علمتم بسياسة متحف الهولوكوست هذا، أظن بأنه سيثير تقدير البعض بغض النظر عن الخلفيات التي قد تتبادر للأذهان. حيث تزعم إدارة المتحف أن لها هدفين أساسيين تسعى لتحقيقهما من خلال هذه المؤسسة؛ الأول يتمثّل في الرغبة بنشر التعليم وبشكلٍ “مجانيٍّ” للعوام، خاصةً طلاب المدراس ذات الدعم المالي الضعيف وأولئك القادمين من مجتمعات فقيرة، وذلك من خلال تكريم زوارها بإمكانية التحاور مع ناجين من المحرقة يكونوا بمثابة تجسيد حقيقي للتاريخ.

أما الهدف الثاني والأهم، باعتقاد البعض، بالنسبة للمؤسسة فهو إحياء ذكرى من نجوا من الحادثة ومن قُتلوا فيها، وذلك من خلال احتضان المتحف لأعمال فنية نجت من تلك الفترة الزمنية.

من كل ما سبق ذكره يبدو أنهم يعملون بكل جد للوصول لمبتغاهم، وهذا ما يدعونا لتوجيه نداء لكل الشعوب العربية لتعمل وتكد على تحسين وضعها وصورتها في أعين شعوب العالم أجمع، فما آن لنا أن نمسح صورةً مشوهةّ لشعبٍ عريق من أذهان الأمم؟

ومما لاشك فيه أن هذا الأمر ليس ببعيد، فمن يقتل ويدمر ويسحق أهالي فلسطين المحتلة استطاع خلق الانطباع المعاكس تماماً، لذا يمكننا التفاؤل وبقوة بتغيير صورتنا.

رئيسة التحرير، مي الصابوني

إقرأ ايضًا