لكل مبنىً من اسمه نصيب

4

ظهرت مؤخراً موضةٌ جديدة على الساحة المعمارية من أسماء المباني التي تحمل أسماء الشركات المصممة، وفي التفاصيل انتهى فريق العمل في شركة UNStudio الهولندية من تنفيذ برجٍ مكتبي ذي واجهةٍ ملونة تمتد على 21 طابقاً، ويحمل هذا البرج نفس اسم الشركة كجزءٍ من مجمع Mahler 4 العمراني وهو عبارة عن ستة مباني تقع في قلب المحور الجنوبي من العاصمة الهولندية، حيث يقوم المحور الجنوبي بربط مطار Schiphol مع المناطق التجارية في جنوب أمستردام.

ويضم المجمّع مناطق سكنية بمساحة 162,000 م2 ومحالاً تجارية لبيع التجزئة بمساحة 30,000 م2 فضلاً عن العديد من المقاهي والمطاعم والمراكز الرياضية، وتتفاوت الأبراج الستة من المجمّع في ارتفاعها ما بين 85 و100 م، ومن الملفت هنا بأن كل برجٍ من هذه الأبراج يحمل اسم الشركة التي قامت بتصميمه، وقد استحق المجمّع بذلك الترشيح لنيل جائزة FGH Real Estate هذه السنة.

أما برج UNStudio فيرتفع حتى 82,5 م ويتألف من 20 طابقٍ مكتبيٍ وطابقٍ آخر أرضي مجهز بميزانين، كما ويشغل بنك اسكتلندة الملكي حالياً 9 طوابق من المبنى نفسه، في الوقت الذي تتربع العديد من المساحات التجارية فيه على المدخل الجنوبي من جهة شارع Gustav Mahlerlaan.

وتلعب واجهة UNStudio دوراً مفصلياً بخلق العديد من نقاط الالتقاء الأفقية والعمودية، وبدايةً مع المفصلات الأفقية، فقد تم تشكيلها بفعل أشرطةٍ بيضاء من الألمنيوم تغلف كامل البرج، بينما تمت الاستفادة من أحجامها المختلفة فضلاً عن شفافيتها في ضبط نسبة دخول أشعة الشمس والإضاءة الطبيعية في كافة طوابق المبنى.

أما تلك العمودية فقد تشكلت بفضل الفراغات المنتشرة على كافة واجهات البرج، ولهذه الفراغات دورٌ آخر لا يقل أهمية ألا وهو تعزيز الاتصال بين المساحات الداخلية والواجهات الخارجية، ليصبح سطح البرج أشبه بوسيلة نقلٍ فعالة لها تأثيرها الخاص على طريقة استخدام المساحات الداخلية.

وعنه يعلّق Ben van Berkel المعماري الشهير ومؤسس UNStudio بقوله “لقد لعبت الفراغات العمودية دوراً مهماً للغاية في عملية تصميم البرج، ويُعزا ذلك لقدرتها على إنشاء اتصال بين الواجهة والمساحات الداخلية ورؤية المبنى مثل قطعة أثاث.”

كما وتم دمج ألواحٍ زجاجية في هذه الفراغات العمودية، وكانت النتيجة أن ساهمت الألوان المختلفة للفراغات بخلق أجواءٍ مختلفة للمساحات الشائعة التي تحيط بكل فتحة في الداخل، فضلاً عن قدرة هذه الفراغات على تسهيل تغلغل ضوء النهار عميقاً في الطوابق البالغة 40 × 40 م، وعلى نقيض الفراغات التقليدية التي تقبع في وسط المبنى فإنها تتربع على محيط UNStudio، وأخيراً تحظى هذه الفراغات بثلاثة مزايا رئيسية تؤهلها لتتحول بسهولة إلى شرفاتٍ داخلية وخارجية.

المساحة القابلة للاستخدام فإنها أكبر ويمكن تخطيطها على نحوٍ أكثر مرونة، بينما يضمن عمق الطوابق واجهة عالية بالنسبة لمساحة الأرضية الإجمالية، وبالحديث عن النسب تبلغ نسبة شبكة المبنى 90% من المساحة الإجمالية، في حين تتأثر المساحات الفارغة بموقعها، وعلى نقيض المساحات التقليدية التي تكتفي بكونها مساحة توزيع عامة، فإن هذه الفراغات تقدم مساحةً لعقد اجتماعات صغيرة أو للتأمل.

ويتميز برج UNStudio عن المباني المكتبية التقليدية التي عادةً ما تفصل ما بين الداخل والخارج وتقيد بعض الشيء العاملين في المكاتب بواجهته الزجاجية الأساسية المدمجة والفراغات العمودية، حيث تقدم هذه تجربةً فريدة للمستخدم، ويُعزا ذلك إلى التدرج الحاصل من الداخل إلى الخارج فضلاً عن الداخل المفتوح والمضاء بفعل المساحات الخارجية التي دُمجت في الفراغات المتراجعة بهيئة شرفات مسقوفة، كما وتسمح أيضاً بالانتقال من الداخل الى الخارج خلال وقت الفراغ أو الاستراحة، ولا ننسى هنا التراس القابع على السطح الذي يوفر من جهته رؤية الجزء القديم من جنوب أمستردام ومساحةً لتجمعاتٍ خارجية أكبر.

من جهةٍ أخرى يرى فريق UNStudio التصميم المستدام كجزء لا يتجزأ من العمارة المعاصرة، ومن وجهة نظرهم الخاصة فإن حلول المستدامة يجب ألا تكون ثانوية، ولكن ذات صلة بكل عنصرٍ من عناصر المبنى، ومن أهم الحلول المستدامة المتكاملة في برج UNStudio تلك المتعلقة بالحد من وتيرة الاستبدال والصيانة من خلال استخدام مواد ومعدات عالية الجودة دائمة في جميع أنحاء المبنى، إلى جانب دمج الإطار خفيف الوزن مما أدى إلى استخدام مواد البناء بنسبة أقل في الأساسات.

كما وتم تصميم الواجهة دون إغفال اعتبارات المستدامة فيما يتعلق بالتوجه، حيث ساهم اختلاف العرض والارتفاع والعمق بالسيطرة على دخول أشعة الشمس المباشرة والتلوث السمعي في جميع الواجهات وطوابق المبنى، كما وساهم استخدام الزجاج الحراري بدخول ضوء النهار بنسبةٍ كافية بالإضافة إلى درء أشعة الشمس المباشرة.

نقطة أخيرة جديرة بالذكر فيما يتعلق بحلول الاستدامة هي استخدام أنظمة توفير الطاقة، ويظهر ذلك جلياً بالنظر إلى نظام تخزين الطاقة الموجود تحت الأرض، حيث يقلل هذا النظام من استهلاك الطاقة بنسبة 30 إلى 35,7%، كما وتقوم التجهيزات ذات الطاقة الفعالة المزودة بأجهزة استشعارٍ للحركة بالتحكم بمستوى الإضاءة والسعة الحرارية، وأخيراً تشمل التركيبات الصحية صهاريج لتوفير المياه إلى جانب استخدام المياه الرمادية.

وقبل الختام لا بد لنا من الإشارة إلى الكمّ الهائل من البحوث واسعة النطاق التي أُجريت بالتعاون مع العميل من أجل تحديد كيفية إدراج أقصى قدر من المرونة في التصميم منذ البداية، وكانت النتيجة أن قام معماريو UNStudio بتهيئة فسحةٍ للاستخدام السكني في المستقبل دون الحاجة إلى أية تعديلات في الكتلة، كما وتوفر الفراغات العمودية المتراجعة إلى واجهة المبنى الفرصة لأن تتحول هذه إلى شرفات الفردية في كل طابقٍ من الطوابق المعدّة للاستخدام السكني في المستقبل، وأخيراً فقد ركز فريق العمل أثناء تصميم الواجهة على إقحام نظامٍ فريد يسمح باستبدال الألواح الزجاجية في حال لم يعد مرغوباً بها وبأقل تعديلات ممكنة.

ونختتم بكلمات Ben van Berkel “لقد تم تطوير نظام شبكي فريدٍ من نوعه في برج UNStudio مما ساهم في إضفاء صفة المرونة عليه في حالة تغيير الاستخدام المحتمل في المستقبل، ولا يخفى على أحد العدد الهائل من المباني المكتبية الفارغة حالياً في أوروبا والتي لا يمكن أن تتحول بسهولة، ولكن برج UNStudio صُمِّم على نحوٍ يمكن فيه وبغضون يومٍ واحد أن يتحول إلى مبنىً سكني، مما ساهم بتوفير المرونة المستدامة اللازمة للمبنى.”

إقرأ ايضًا