طبقات الأرض في قلب كنيسة فرنسية!

7

اشتهرت الكنائس في أوائل القرون الوسطى، وخاصةً في فرنسا، بعمارةٍ فريدة غاية في الرصانة والوقار، دوناً عن بقية الكنائس في دول أوروبا، ولكن يبدو أن سيل العمارة المعاصرة لا يستثني أحداً… حتى كنائس العصر الرومانيسكي، فقد قام المصمم الفرنسي Mathieu Lehanneur مؤخراً برفد كنيسة سانت هيلير بوجهٍ أكثر عصرية، وشرع يدرس جغرافيا وتاريخ Melle، فلم تكن تلك الطبقات المتراصة من الرخام الأبيض، أو المذبح المصنوع من المعدن الملون وليدة الصدفة على الإطلاق.

فقد كان على Lehanneur أن يأخذ بالحسبان خصوصية المبنى الديني، إذ لم تكن كنائس القرون الوسطى مبانٍ عادية، بل كانت تحمل في تصميمها شيئاً من الروحانية، في المقابل لن يشعر زائر الكنيسة اليوم بأية تعديلات أو إضافات وسيظن للوهلة الأولى بأن كنيسة سانت هيلير هي نفسها منذ أكثر من مئة سنة، إذ استطاع المصمم الفرنسي أن يختار مواداً أقرب في تركيبها إلى مواد البناء في كتلة الكنيسة القديمة.

فطبقات المنصة المتراصة فوق بعضها البعض والمصنوعة من الرخام الأبيض استطاعت أن تندمج وعمارة الكنيسة القديمة مشكلةً كتلة معدنية متجانسة تبدو وكأنها تستحضر الترسبات في السرداب تحت الأرض، حالها كحال المذبح المصنوع من المرمر الملون، الذي يشبه في ألوانه ألوان الأحجار في الكنيسة.

ويبدو أن Lehanneur قد نجح باستغلال النقاء الذي تحظى به الفوضى الجيولوجية ليسلط الضوء على كمال العمارة الرومانيسكية، ليبلغ ذاك التناغم ما بين عمارة الكنيسة القديمة والكتلة المعدنية أوجه بالنظر إلى المعمدان الذي نُحت من نفس المادة، أما المياه التي يحجزها المعمدان في داخله، فتبدو وكأنها جرت من مياه النهر أسفل الكنيسة، وفي هذا إشارة إلى براعة Lehanneur بربط المبنى مع البيئة المحيطة به.

وكأنه سيناريو تثيره طبوغرافية المكان، يبدو مبنى الكنيسة وكأنه غارق في الرمال، فهو ليس مجرد مبنى مثبت على أرض Melle… إنه جزءٌ من تلك الأرض، حيث كانت فكرة المشروع الرئيسة غمر “مربع” الكنيسة في الأرض وكأن يداً مقدسة خفية قامت بدفعه، ليكون بمقدور الزوار اكتشاف طبقات الأرض بأنفسهم مع نزولهم للأسفل.

أما الكتلة المعدنية الضخمة وسط الكنيسة فتمثل العنصر المرئي من المشروع، فعندما تنظر إلى طبقات المنصة الرخامية سوف تشعر بأنك تنظر إلى الطبقات الأرضية من الكنيسة، فقد أراد Lehanneur الاستفادة من تلك الطبقات في خلق تسلسل هرمي بين الكاهن الذي يقيم القداس وبين حشد المصلين، لينجح أخيراً في ابتكار عمارة عضوية خاصة به لا تتعارض والطقوس الكنسية، بل على العكس، لقد نجح بتضمين الرموز الدينية مثل المعمدان ذي الأوجه الثمانية أو المذبح عند زاوية جناح الكنيسة بكل بأمانة.

إقرأ ايضًا