تقنيات الاستدامة العصرية من عمق الصحاري السورية

14

توسعت الدراسات وتنوعت الابتكارات الرامية لتوفير الطاقة والعودة للعيش البيئي المستدام، لكن في الوقت الذي تاه فيه العالم برمته باحثاً عن توفير الطاقة ومصادر أخرى متجددة، عاش أهالي القرى البسطاء في سوريا متنعمين بأفضلية السكن في منازل ذات “تصاميم” بيئية ومستدامة وأكثر.

إنها مساكن “خلايا النحل” كما أطلق عليها الغرب، عاش فيها سكان قرى محافظة حلب محميين تماماً من رياح وحرارة الصحراء القاسية، فقد سافرت عبر الزمن ومع ذلك نراها اليوم بنفس حلتها القديمة، صامدةً على مدى قرون عديدة بكسوتها البسيطة من الطين والقش وبعض الحجارة والتراب.

إن كنتم تتساءلون عن كيفية بناء هذه المنازل، فإليكم الإجابة؛ ماعليكم سوى أن تلقوا نظرة على الصور حتى تروا أن تلك البيوت قد استمدت مقوماتها من محيطها باستخدام المواد الطبيعية والموجودة محلياً، بالإضافة إلى تحقيقها التوازن الحراري بفضل جدرانها السميكة العازلة المصنوعة من الطوب الطيني المكدس في دائرة عملاقة، لتساعد على تبريد المساحات الداخلية بفضل حجبها لأشعة الشمس وإبقائها خارج المنزل، وصولاً إلى كسوة الجدران الداخلية والخارجية التي تمت تعبئتها بالقش والطين فقط.

أما عن شكل المبنى الخارجي والمرتفع فهو عبارة عن مخروطٍ مغطى بسقف مقبب، يحتوي في جزئه العلوي على فتحة في ذروة القبة تسمح بتغلغل الضوء إلى داخل المنزل كما وتمتص الهواء الساخن لتطرحه إلى الخارج.

لكن ماذا عن هطول الأمطار مع وجود تلك الفتحة في السقف؟

لم يشكل ذاك الثقب في الجزء العلوي من المسكن هاجساً لسكانه، فبفضل شكل المسكن المخروطي تمكن القاطنون من حماية أنفسهم خلال موسم الأمطار نادرة الهطول، هذا عدا عن أهميته في تصريف مياه الأمطار بسرعة عن واجهة المنزل، مما يعني التوصل إلى الحد الأدنى من تآكل الطين على سطحه الخارجي.

وما تلبث أن تدخل إلى المنزل حتى تستشعر تصميمه الداخلي المكتسي بالأجواء المظلمة للغاية، الأمر الذي يعزا لافتقار المسكن لأية نوافذ؛ وعلى الرغم من الضيق الذي قد ينتج عن مثل هذا الإجراء، يمتلك “مصمموا” المنازل عذراً قوياً، فهدفهم الأول والأخير والأهم هو حماية أنفسهم من رياح الصحراء القاسية وحرارة الشمس الخارجية.

فتخيل عزيزي القارئ، أنه ومع كل هذه العوامل الحرارية الطبيعية في المكان يحافظ هذا المنزل الطيني على درجة حرارة داخلية تتراوح بين 23 و 33 درجة مئوية، في الوقت الذي تصل فيه درجة الحرارة في الخارج لـ 60 درجة مئوية!

فهل كان السوريون يا ترى مصدر تلك التقنيات المستدامة التي تناقلها وتداولها الغرب؟ أم أن ابتكاراتهم هذه كانت مجرد استجابة طبيعية لواقع قاسٍ فُرض عليهم بحكم معيشتهم في الصحاري الحارة؟

إقرأ ايضًا