نحو “ترميم مستدام” في غزه المدمرة ح8

73

تقديم
اود ان اشكر المعمارية  الذى أتاح لي الفرصه للكتابة حول هذا الموضوع الهام الا وهو كيف يمكن اعادة إعمار غزه المدمرة بطريقه مستدامة ؟ ونظرا لأهمية هذا الموضوع من الناحية الفنيه احببت ان أدلي بدلوي هذا لعلي استطيع ان أساهم فى اعادة بلادنا المدمره بطريقه مستدامة ، وفيما يلي موجز للأفكار المطروحه للحوار والنقاش لاختيار أفضلها :
١- العمران المستدام هو حركه جديده ظهرت أوائل القرن الحالي هدفها إصلاح ما أفسدته العماره الحديثه / المعروفه باسم البوظار والتي بدأت منذ ٣٠٠ عام اى منذ بداية الثوره الصناعية ، وللأسف أصبحت تسمى الان بالعمارة المريضه لانها أضرت بالإنسان والبيئة معا.
ومن هذا المنطلق لا بد من اعتبار ان المباني المدمره حاليا في غزه لم تكن أصلا صالحه للسكن كونها مريضه بالرغم من انها تحمل اسم الحداثه.
ولذالك اجد انها فرصه عظيمه جدا لا تعوض بان يكون تعمير غزه بالمستدام مئه بالمئة سيكون لمصلحه الانسان كإنسان والبيئة معا ، وفرصه ذهبية لتوفير المرافق والخدمات اللازمه ، اضافة الى ضرورة توفير الأمان من الغارات الجويه وعمل ملاجئ أمنه تحت الساحات والحدائق وحتى الشوارع وتحت مبانى المرافق العامه مثل المدارس والمصانع والمجمعات السكنية وغيرها
 
٢- الأسئلة الثلاث المطروحه  هي سياسيه اكثر منها فنيه وانا شخصيا اعتبرها احد العوائق لبناء عماره خضراء
وهى بالفعل عوائق حقيقية لا بد من التعرض لها والا سنكون مثل ألنعامه؛
وأولها السلطه الفلسطينيه الحاليه كونها غير موحده اى بمعنى اخر غير مؤهله ما لم تتحد وهذا فى حد ذاته عائق كبير للمشروع يجب تجاوزه .
وثانيها الاحتلالٍ الغاشم وهو العائق الأكبر بكل معنى الكلمة.
وثالثها الحصار البري مع الشقيقة مص والبحري مع العدو الاسرائيلي
 
٣- من الافضل وهذا رأيي الشخصي ان نركز على العمران المستدام بشقيه الأساسيين وهما ؛
١.٣- المباني السكنية كتجمعات مستدامة من جهه .
٢.٣- المرافق والخدمات العامه المستدامة من جهه اخرى .
 
ملاحظه هامه:
(يجب الأخذ بعين الاعتبار ان كلفة المرافق والخدمات تعادل كلفة المباني السكنية تقريبا ، اي ان تكون حصة المباني السكنية نصف الكلفة الاجماليه ، والنصف الاخر للمرافق والخدمات ، وبلغة الأرقام اذا كان هناك ٢ مليار دولار فيجب تخصيص مليار للسكن وآخر للمرافق والخدمات اللازمه )
٣.٣- يجب ان يكون هناك أبحاث علمية من الدرجه الاولى ، وبمثابة منهج عمل لكافة الجهات المعنيه لترجمته الى ارض الواقع ، وبطريقة فعاله ، وياحبذا لو كان على شكل Manual
فاما ان تكون هناك في غزه عماره مستدامة او لا تكون ( واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض)
صدق اللة العظيم
 
٤- المبادئ الرئيسيه للعمران الأخضر
١.٤- إلغاء فكرة المحافظة على القسائم الصغيرة الحاليه وتجميعها على شكل قسائم كبيره في حدود عشرة آلاف متر مربع علي الاقل حتى يتسنى اقامة مجمعات متكاملة المرافق اللازمه ، وساعتها فقط يمكن الارتفاع فى الطوابق شريطة ان لا تزيد مساحة ال foot print عن 25 فى الميه من مسطح الارض والباقي للحدائق ، والخدمات ومواقف السيارات تحت منسوب الارض . وتوفير الخصوصية ، والهواء
لصالح الانسان والبيئة.
وللعلم فان هذه المعلومة هي من بنات أفكار المهندس الفرنسي العالمي ” لو كوربوزييه” في الثلاثينيات من القرن الماضي ، وللأسف كل العالم وعلى رأسهم أمريكا أخذت فكرة الارتفاع دون تطبيق الشرط الثاني وهوالبناء على نسبه لا تزيد عن عشرين او خمسه وعشرين فى المئه من مساحة الارض .
ولذالك فان فكرة السماح بالارتفاع لأقصى ما تستطيع وارده طالما انك وفرت المرافق والخدمات.
انظر مثلا الى المدن الكبري ذات المبانى المرتفعة لترى الان المشاكل المعقدة والتى يصعب حلها حتى لو توفر المال ،كل ذالك بسبب عدم فهم فلسفة لو كوربزييه فى الارتفاع .
فغزه محتاجه جدا الى الارتفاع لعدم توفر أراضى وهو الحل الافضل وفى هذه الحاله يمكن الارتفاع الى ثلاثين او أربعين او حتى خمسين طابق دون خوف طالما ان هناك حديقه متوفره بين كل عشرة طوابق ، وقد شاهدت بنفسي مثل هذه الحدائق فى احدى المدن الألمانية.
وتجدر الاشاره هنا الى القرار الغير مدروس فنيا وعمليا لزيادة عدد الطوابق فى غزه لدى قدوم السلطه ، مما أدى الى ظهور الكثير من المشاكل الفنيه والاجتماعية حتى الان.
 
٢.٤- توفير ممرات أمنه للمشاه ومحاولة إعطاء الأولوية للمشى على الأقدام او من خلال ركوب الدراجات الهوائية من والى المدارس او المراكز التجاريه بدلا من السيارة التى يجب ان تكون هجينه ، وذالك من خلال مخطط تصميم عمرانى جديد ،
Urban Design Studies
 
٣.٤- يجب ان يتوفر في الغلاف الخارجي للمباني (الحوائط والشبابيك والأسطح والسراديب) العزل الحراري مئه بالمئة بما في ذالك براويز الشبابيك اىthermal bridge
كل ذالك من اجل تقليل الهروب الحراري وتقليل استعمال الطاقه ، وقد نجح الألمان فى ذالك وتم تسميتها ب Passive Housing
وهى فكره بسيطه جداً أهمها؛
ا- الحوائط من الخرسانة المسلحه سماكة عشرين سنتيمتر ، يضاف عليها ألواح من الخارج عازله للحراره سماكة عشرين سنتيمتر أيضاً
ب- الشبابيك الخارجيه مزدوجه Double Glazing
مع مراعاة استعمال الThermal Bridge للبراويز المحيطه بالزجاج .
ج- وبهذه الفكره تم توفير اكثر من تسعين بالمائة من الطاقه الكهربائيه اذا ما قورنت بالمباني المنفذه بالطرق التقليديه .
 
٤.٤- توفير التهويه الطبيعيه ، وفى حالة تعذر ذالك يلزم ضخ الهواء النقى من خلال التهويه الميكانيكية والتخلص من الغازات الملوثة مثل ثانى أكيد الكربون وغيرها وذالك بتوفير مراوح خاصه ،
وهذا يعنى أعاده النظر فى الأنظمة الميكانيكية المستعمله حاليا وإلا لن تكون هناك عماره مستدامة
 
٥.٤- توفير الإضاءة الطبيعيه والاستفادة من أشعة الشمس وتوجيه واجهات المباني نحو الجنوب .
 
٦.٤- اعادة تشغيل مياه الصرف الصحى ، والمياه الرمادية لزراعة الحدائق .
 
٧.٤- عمل خزانات تحت الارض لمياه الأمطار سواء من الساحات المكشوفة او أسطح المنازل وتنقيتها قبل الاستعمال .
 
٨.٤- استعمال الطاقه المتجددة والنظيفه بقدر الإمكان للتقليل من عوامل التلوث البيئ نتيجة احتراق البترول لتوليد الكهرباء .
 
٩.٤- زراعة الاسطح للمبانى وهى ضرورية جداً لزيادة المحصول الزراعي علاوه على انها عازل حراري ممتاز
 
١٠.٤- ضرورة تكليف أداره مشاريع construction management وعلى مستوى عالمي لتولى الاداره والإشراف على التصميم والتنفيذ كوحده واحده لصالح البناء المستدام ، ومن المعروف ان مثل هذه الاعمال مهمه جداً لنجاح المشروح وتحقيق أهدافه وهى تعادل ١٠ في المئه من التكاليف الاجماليه ، بهدف ضبط النوعيه والتكاليف والالتزام بالبرنامج الزمني للمشروع
 
١١.٤- وأخيرا وليس آخراً أقول بان “العماره المستدامه” او “العماره الخضراء “هى عماره علميه يجب ان يكون للعلماء وجود اكثر وليس لاتحادات المهندسين السياسيه او وكلاء بعض الوزارات أمثال الوكيل السابق لوزارة الأشغال العامه فى غزه ، والعضو الفعال باتحاد المهندسين الفلسطينيين ، والمستشار الفنى لأعلى منصب في السلطه الفلسطينيه .
ويا للاسف لقد تنكر هذا المسؤول لهذا المشروع الحضاري الذي قدمته بنفسي ، وقال بالحرف الواحد ان “العماره الخضراء” لا تصلح لنا فى فلسطين وهى من صناعة الغرب وتصلح للسويد . اما الشعب الفلسطينى المغلوب على أمره من هؤلاء الفاسدين لا يستحق ان يعيش مثل البشر حياه ملائمه وحياه صحيه تسمح له بممارسة نشاطه وحياته ، والسبب بسيط وهو إعطاء الأوليات للمصالح الشخصية فقط .
انه لعمري الفساد بعينه الذى أخشاه بان تضيع منا هذه الفرصه التى لن تتكرر .
 
١٢.٤- وفى رأيي انه من الافضل ان يكون للبلديات دور مهم فى تنظيم العمليه المستدامه بسبب تراكم القوانين وأنظمة البناء الباليه ، وقدرتها على اعادة تنظيم الملكيات الخاصه وإلعامه لصالح المشروع.
انظروا مثلا الى مدينة” أوستن “الامريكية في ولاية تكساس التى أصبحت نموذج يحتذى به للعمارة الخضراء بل فى العالم لان البلديه وجدت بعد دراسه بان قوانين البناء الحاليه عائق قوى لتطبيق مبادئ العماره الخضراء ، وأسست لجنه من العلماء والمختصين فى علوم البناء والبيئة تتولى عمل منهج لإرشاد المواطنين للبناء الأخضر وهى تختلف عن طريقة البناء الحاليه والمسمى مجازا بالتقليدية ، ولا بد لنا من توجيه الدراسات العليا لوضع النقاط على الحروف للسير قدما نحو البناء المستدام .
لذا أنصح بزيارة هذه المدنيه كنموذج عملي للعماره الخضراء Austin – Texas
 
 
أعداد
صبحي قحاوش
معماري ومخطط مدن
دراسات عليا في علوم البناء
جامعة كونكورديا
مونتريال
إقرأ ايضًا