البيوت الذَّكية sMART hOUSE

19

مصطلح البيوت الذَّكية ليس بالقديم ولا الحديث، فقد بدأ هذا المُصطلح عام 1991م. لأول مبنى من هذا النَّوع في ألمانيا.

البيوتُ الذَّكية، هي مباني يُمكنها أن تُفكِّر! أي تعرف تماماً ما يدور بداخلهِا وخارجهِا. يُمكنها أن تُقرِّر! باتِّخاذ أفضلِ الحلولِ لتقريرِ البيئةِ المُناسبة للمستخدمين. هي مباني المُستقبل. هي البيوت التي تستخدم آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا وأحدث التِّقنيات لإدارة جميع عناصر المسكن أو المبنى باستخدام الكمبيوتر. فتستجيب إلى رغباتِ المستخدمين، ممَّا يُحقِّق أكبر قدر من المرونة والرَّاحة والأمان. وممَّا يعني استعانة أقل بالإنسان. حيثُ يقوم الكمبيوتر بالتَّحكم بشؤون الكهرباء والحرارة والإضاءة والتَّكييف وأنظمة الحرائق والإنذار والأنظمة السَّمعية والمرئية والأجهزة الألكترونية المُختلفة، وما إلى ذلك ممَّا يدخل ضمن تصميم المبنى بطريقةٍ تجعلها تتكامل مع البيئة.

من خصائصها:

استهلاك أقل للطَّاقة، بأن تمنع تسربها باستخدامِ جدرانٍ عازلة واستفادة كاملة من الطَّاقة الشَّمسية.

يُمكنها التَّنبؤ بدرجات الحرارة المُناسبة، لذا يُمكنها التَّحكم بالمكيفات، بأن تعمل تلقائياً عند درجات الحرارة المُرتفعة، أو أن تفتح نوافذها أتوماتيكيّاً، وذلك بحسب تهئية هذه الأجهزة آلياً.

تتفاعل مع البيئة، أو ما يُسمَّى (العمارة المُستدامة أو الخضراء)؛ وذلك من أجلِ تحقيق أكبر قدر من التَّوازن بين المبنى والبيئة المُحيطة.

لأنَّها تتحكَّم بجميع الأجهزة الإلكترونية في المبنى؛ إذاً هي مُناسبة جداً لذوي الاحتياجات الخاصَّة، كالمعاقين وكبار السِّن، والأطفال، مثلًا.

يُستخدم في مادة بنائها الخشب المُعالج ضد الحرائق، وضدَّ الحرارة، وضدَّ الرُّطوبة، وضدَّ الفطريات؛ وذلك لأنَّ الخشب صديق جيِّد للبيئة، ولأنَّ تصنيعهُ يحتاج طاقة أقل. ولكن هذا لا يمنعنا من استخدامِ مواد البناء التقليدية كالطُّوب مثلاً. كذلك، يُمكن تلبيس الخشب بأيِّ مادة بناء نرغب بها، والغالب تلبيسها بالسِّيراميك. وفي الأدوار المُتكرِّرة تُستخدم الأعمدة الخرسانية.

هي مباني تستشعر عن بعد. يُمكنكَ أن تأمرها! لأنَّها تستجيب لبصمة الصَّوت. الإضاءة بها تستشعرُ الحركة، أي أنَّهُ بمُجرَّد مرورك داخل المبنى فإنَّ الأضواء ستعمل تلقائياً.

يُقالُ أنَّها أقل تكلفة من المباني العادية. حيث أنَّها في الغالب مُسبقة الصُّنع. لكنَّني أعتقد أنَّ النِّظام الذَّكي المُستخدم مُكلِّف جدّاً.

النِّظام الأمني فيها مُتطور؛ كاميرات المراقبة في كلِّ مكانٍ. نوافذها وأبوابها تُغلق أمام الّلصوص. مثلًا يقوم المنزل بإعطائكَ تنبيه أو إنذار عند فتح الباب، أو فتح النَّافذة عنوةً. حتَّى أنَّهُ يُمكنهُ أن يُرسلَ لكَ رسالة على موبايلك عند انتهاكِ أحدهم خصوصية منزلك!

يتحكَّم بمنظومة الصَّوت والصُّورة. حيثُ يُمكنكَ الاستماع والمشاهدة في جميع أجزاء المنزل. وهذا يدلُّ على إستفادتهُ من خاصِّية ما يُسمَّى (بالمشاهدة التَّفاعلية).

هي بيوت قابلة للتَّعديل بحسبِ رغبة واحتياج المُستخدم. بمعنى، أنَّ المبنى مُزدوج الوظيفة، أي يُمكنكَ أن تتحكَّم بهِ يدويّاً، أو إلكترونياً، فلا تقلقوا من انقطاع التَّيار الكهربائي.

المبنى الذَّكي، يُعبِّر عن مُجتمعه؛ بمعنى أنَّنا سنجد هذا النَّوع من المباني في البلدان المُتقدِّمة علمياً، ولكن هذا لا يمنع وجود بعض التَّجارب في بعضِ البلدان العربية كالإمارات والكويت. والحقيقة أصبح طموح السَّاكن أو المُستخدم أن يحصل ولو على جزءٍ من هذه التَّقنية في مبناه.

ربَّما في الوقت الرَّاهن لا نجد انتشاراً كبيراً لهذه البيوت، ولكنَّني أتوقَّع خلالِ الأعوام القادمة أن يتَّجه المُصمِّم والمُجتمع إلى الاستفادة من التِّقنية الذَّكية على الأقل مواكبةً للتَّطورِ السَّريع في تقنياتِ تنفيذ المباني، وتحقيق أكبر قدر من الراحة.

والبعضُ يُصنِّف المباني الذَّكية، ضمن المباني المُيسَّرة. أي المباني التي تُحقِّق جميع مُتطلَّباتِ الأسرة في حدود إمكانياتهم. فمواد البناء الرَّخيصة (صديقة البيئة)، والتَّوفير في استهلاك الطَّاقة واستهلاك المياه؛ ممَّا يعني نفقاتٍ أقل للصِّيانة. وكذلك، استخدام التكنولوجيا الحديثة من أجلِ مُمارسةِ الأنشطة اليومية بسهولة ويسر. كلُّ ذلكَ، يدخل ضمن تصنيف المباني المُيسَّرة، إن تمَّ التَّعاملَ معها بإدراكٍ سليم وواعٍ.

من ضمنِ الأمثلة الجميلة لهذا النَّوع من المباني، برج هيليوتروب Heliotrope Tour الذي صمَّمهُ المهندس المعماري الألماني Rolf Disch. يعتمد المبنى على مفهوم “البيت الشَّجرة الشَّمس” وهو البيت الذي يرتكز على قاعدة مُتحرِّكة يتم دورانهُ في ساعات اليوم المُختلفة ليواجه الشَّمس أيَّام الشِّتاء أو يُعاكسها أثناء الصَّيف، بحسب احتياج السَّاكن!

فكرة المبنى مستوحاة من زهرة الهيليوتروب التي تدور أوراقها باتجاه الشَّمس.

وهذا ما يفعله مبنى الهيليوتروب والَّذي يُعتبر أول منزل دوَّار في العالم استفاد من التكنولوجيا البيئية. فنجد على سطحهِ منصَّة أو وحدات أو ألواح شمسية كبيرة تُدار بالكمبيوتر، تُستخدم في جمع الحرارة الشَّمسية من أجلِ إنتاج الطَّاقة والتَّسخين للمياهِ والتَّدفئة، ممَّا يعني استهلاكاً أقل للكهرباء.

استُخدم في بنائهِ الوحدات الجاهزة. ومن وجهةِ نظرٍ صديقة للبيئة، الخشبُ يُعتبر أهم مادة بناء في هذا البيت الشَّمسي. المنزل عبارة عن بناء أسطواني بارتفاع (14م)، لهُ جانب واحد من الزَّجاج مُجزَّأ إلى ثلاثِ مستويات للاستفادة من الضَّوءِ والحرارة. والجانب الآخر معزول حرارياً للحفاظ على البرودة في أوقاتِ الصَّيف. بهِ منظومة لتصفية مياه الأمطار تلقائياً وجمعها وإعادة استخدامها. كما أنَّهُ يتخلَّص من المواد الكيميائية الضَّارة بيئيًّا، ليدمجها في دورة المياه الطبيعية. ويتم تصفية مياه الصَّرف الصِّحي في برك متتالية في الفناءِ الأمامي للمنزل. ولمزيدٍ من التَّفاعلِ مع البيئة، هناكَ حديقة سطح وتيراس حلزوني خارجي يلتف حول هيكل المبنى.

ميزات كثيرة في هذا المبنى الفريد. وحتَّى الآن لم يستفد وطننا العربي من الشَّمسِ في إنتاجِ الطَّاقةِ في المنازلِ. الشَّمسُ التي ننفردُ بامتلاكها، وتنفردُ بحرقنا!

م. محمود قحطان

إقرأ ايضًا