الحفاظ العمراني وإشكالية تعدد التقنيات الحديثة للتوثيق وإدارة المعلومات

70

مع أن الاستخدام المنتظم والفعلي للمجسمات ثلاثية الأبعاد لأعمال توثيق الممتلكات التراثية والآثارية قد بدأ خلال الماضي القريب، فإنها لا تزال تعتبر تطبيقات قاصرة تتضمن مجموعة من المشاكل والعقبات ولأسباب عدة، منها أن المفهوم السائد لاستخدام مثل هذه التطبيقات عالي الكلفة، والصعوبات في تقديم مجسمات دقيقة مثالية، وسوء الفهم من قبل الجهات المستفيدة بأنها تطبيقات اختيارية لأغراض التفسير والاستكشاف فقط أو للأغراض الجمالية، وصعوبات تكامل المعلومات بصيغها المختلفة مع المجسمات.

مثل هذه المشاكل يجب الوقوف عليها ومناقشتها لغرض الحصول على نظرة علمية شاملة عن الوسائل والطرائق والتطبيقات المستخدمة في حقل بحوث وعلوم الآثار والعمارة والحفاظ على التراث.

إنه من الصعوبة حالياً تكوين وسيلة تواصل عامة بين المتخصصين في علوم الآثار، التراث العمراني، تاريخ الفن، العمارة، والخبراء في مجال التحسس النائي، الرسم الهندسي الحاسوبي، علوم المعلومات المكانية، علم التخطيط البياني الحاسوبي، الواقع الافتراضي، وغيرها، وكل ذلك يعود إلى عدم وجود مثل هذه التقنيات.

من المتعارف عليه أن حقل الحفاظ على التراث حقل متعدد الاختصاصات، وعليه فإن صناعة القرار لعملية صيانة وحماية المنشآت التراثية والتاريخية تعتبر عملية معقدة ويجب أن تكون مدركة ومدروسة من قبل متخصصين ذوي خبرات علمية مشاركة متعددة.

ومن الواضح أن المشارك الواحد بمفرده لا يمكنه تقديم القرار المناسب ضمن خطة الحفاظ بمعزل عن باقي المشاركين، وأن تعدد أهدافهم وخلفياتهم العلمية تقتضي بعملية صنع القرار اتخاذ خطة عمل توفر وثائق دقيقة وملائمة لكل منهم لغرض الحصول على أفضل النتائج.

ومن هنا تقتضي الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، منها: كيف يمكن لخبير معين اختيار المعلومات الملائمة من مجموعة وثائق تعود لمنشأ تاريخي أو تراثي قيد أعمال الصيانة؟ وما هي نوعية هذه المعلومات المطلوبة لعملية الصيانة والحفاظ؟ كيف يمكن الاتفاق بين مختلف المشاركين في غياب قاعدة معلومات مفهومة ومتفق عليها من قبل الجميع؟ وكيف يمكن إقناع بعض المساهمين بعدم أهلية أو كفاءة بعض المسوحات أو المعلومات ووجوب تغييرها أو تعديلها؟

وفي الوقت ذاته فإن مختلف الشركات العالمية تطرح في الأسواق مجموعة هائلة من الأدوات والتقانات والتقنيات المتطورة والحديثة والمستخدمة لأغراض الحصول على وتحليل وإدارة المعلومات المتعلقة بالعناصر والمنشآت قيد التوثيق. هذه الوسائل تختلف تبعاً لطريقة استخدامها وكفاءة أدائها وإمكاناتها وتقدم نتائج متباينة تؤدي إلى مسائل ومشاكل متعددة، كما تنطوي كل منها على مجموعة من الصعوبات، وعادةً ما تحاول هذه الشركات -والتي دائماً ما يكون الخبراء على تماسٍ مباشر معها- تسويق منتجاتها لغرض الربح التجاري بغض النظر عن أهداف وأغراض عملية التوثيق. إن عملية التخطيط وإدارة المعلومات تعتمدان مبدأ حل المشكلة العامة والتي تبدأ من خلال تعريف وتوصيف المشكلة، ثم يتم تضمين أنواع مختلفة من التحليلات المتخصصة -والمشتملة ربما على المحاكاة والتمثيل بالمجسمات- تتطور إلى التنبؤ وتقديم التوقعات، ثم مرحلة وضع البدائل أو التصاميم، والتي عادة ما تتضمن عملية تقويم البدائل والحلول للمشكلة الحضرية.

إن عملية صنع القرار تميز وتدخل في جميع مراحل هذه المنظومة وفي عملية توظيف المخطط المختار أو السياسة المنتخبة والمقرة. تتكرر هذه العملية بطريقة حلقية وبمستويات مختلفة، كما يمكن أن تتداخل مجموعة منها بعضها ببعض، في حين يعتمد عدد المشاركين من الخبراء والمدراء وأصحاب المصلحة وأصحاب القرار الآخرين في مختلف مراحل هذه العملية على طبيعة التطبيقات المحددة وسياقها المحيط.

حالياً وعلى مستوى الصعيد العالمي قام عدد من الباحثين بتقديم أعمالٍ توثيقية لمنشآت تاريخية وتراثية وبصيغة مجسمات ثلاثية الأبعاد باستخدام أساليب تكاملية لتقنيات متعددة للحصول على أعلى الدرجات المتوفرة من الدقة والملائمة لأعمال الحفاظ. ومن الواضح أن أهم هذه المحاولات قد استخدم إحدى الطرائق التالية -مع توفر أساليب أخرى تعتمد على الحالة الدراسية:

•استخدام الماسح الليزري لتكوين مجسمات دقيقة ثلاثية الأبعاد للمباني المنفردة ثم إضافة خامات مواد الإنهاء باستخدام تقنية المسح التصويري، وينتج منها مجسمات كفوءة ثلاثية الأبعاد تستخدم عادة لأغراض التحليل والاستكشاف.

•استخدام برمجيات أنظمة المعلومات الجغرافية وبالأبعاد الثلاثية لتكوين المجسمات لتمثيل مدينة بأكملها أو نسيج حضري لأغراض إدارة المعلومات لأنشطة أعمال الحفاظ والصيانة.

•توظيف الواقع الافتراضي في تكوين بيئة افتراضية لمدينة ما أو لنسيج حضري أو لمتحف أو لموقع أو مبنى تاريخي منفرد، واستخدام هذه البيئة لأغراض التحليل والاستكشاف والمراقبة، وغالباً ما تستخدم للأغراض السياحية أو في وسائل الإعلام والألعاب.

تكتنف هذه الجهود قيود وصعوبات مختلفة تعتمد على الحالة الدراسية المتعلقة بأسلوب العمل والأهداف المنشودة. إن غياب مثل هذه المحاولات عن البيئة السكنية والمدن التراثية العربية بشكل واسع يطرح مسألة ماهية الصعوبات والمشاكل والعقبات التي ستواجه عملية الصيانة والحفاظ طويلة الأمد للتراث العمراني في حالة استخدام مثل هذه التقنيات والتقانات.

كاستنتاج وبكلمات محددة، بسبب أن التقنيات والتقانات والأدوات المتعددة والمستخدمة في عملية إدارة التنوع الكبير لأنواع الوثائق والمعلومات وقواعد البيانات المتعلقة بالمنشآت مع تعدد مناهج الحفاظ على التراث العمراني الطويل الأمد، أصبحت عملية اتخاذ القرار لانتخاب الوسيلة والمنهجية الملائمة التي تقدم النتائج الدقيقة المطلوبة لإنجاح هكذا عملية صعبة وغير مضمونة النتائج.

غالباً ما تشتمل هذه المشاريع على منشآت وممتلكات وعناصر تاريخية وتراثية كبيرة تمتاز بخصائص وعناصر معمارية قيمة وغنية ومعقدة، والتي تحتاج إلى بذل جهود إضافية لتحقيق الأهداف المنشودة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تخصصات وحقول علمية مختلفة تنخرط في هذه المشاريع من خلال أصحاب المصلحة والمشاركين والمساهمين المتعددين، مكونة مجتمعاً معقداً وصعب التعامل والعمل فيه، وإن معوقات عدة عادة ما تظهر جراء العلاقة المتبادلة من مثل هذا الخليط العلمي المركب.

بقلم د.عماد هاني العلاف دكتوراه هندسة معمارية في تكنولوجيا استثمار التراث العمراني قسم الهندسة المعمارية، كلية الهندسة، جامعة الموصل، العراق [email protected]

تتوفر مجموعة واسعة من التقنيات الحالية المستخدمة في أنشطة ومهام التوثيق وإدارة المعلومات والمتعلقة بصيانة وحفاظ التراث العمراني والتي تتضمن: الطرق اليدوية، جهاز المحطة الشاملة Total station، المسح التصويري Photogrammetry، المسح الليزري Laser scanning، أنظمة المعلومات الجغرافية GIS، الواقع الافتراضيVirtual Reality ، الإضاءة المهيكلة Structured lighting، أجهزة التحسس النائيRemote Sensing ، وغيرها والتي على الأغلب تتضمن كل منها تصانيف وتقاسيم ادني للأدوات والتقنيات المستخدمة تبعا لخصائصها وكفاءتها سواء إيجابا وسلبا، فعلى سبيل المثال فتقنية المسح التصويري تشتمل على المسح الأرضيTerrestrial ، الجويArial ، باستخدام الأقمار الصناعيةSatellite ، باستخدام الطائرات المسيرة لاسلكيا UAV method وغيرها، بالإضافة إلى نوع الكاميرا المستخدمة إلى مترية أو اعتيادية أو رقمية أو كاميرا تحت الماء وما إلى غير ذلك، والملحق بها مئات إن لم نقل الآلاف من البرمجيات الحاسوبية ذات النتائج والقدرات المتباينة. مما سبق، تظهر صعوبة صنع القرار وعملية اختيار الأداة أو التقنية الأمثل بشكل أكيد لكل حالة من الحالات العملية التطبيقية خصوصا المعقدة منها، والتي تعمل على صعوبة التنبؤ فيما إذا كانت الأداة ( س) ستقدم نتائج متوقعة أفضل من الأداة (ص).

إقرأ ايضًا