منزل هندي يثبت أن الضواحي لم تعد حرفاً ساقطاً

4

في خبر اليوم ننتقل بكم إلى منزل B-99 المكوّن من ثلاثة طوابق والذي يمتد على مساحةٍ تتجاوز 350 قدم تربيعي كمثالٍ حي على واقع العيش في الضواحي، ففي ظل غلاء الأسعار الذي يجتاح المدن الكبرى في الهند، ارتأت الحكومة الهندية التحرك صوب الضواحي والشروع ببناء مشاريع متطورة هناك، وهكذا قام معماريو DADA وشركائهم بتوزيع أجزاء المنزل المذكور حول ساحةٍ في وسط المنزل، حيث تقابل هذه الساحة جهة الجنوب، بينما تطل على مساحات المعيشة والنوم في الطابقين الأرضي والأول من المنزل، ليقبع إلى جوارها درجٌ فولاذي تم تصميمه ليربط الطوابق العلوية مع بعضها البعض.

وأشبه ما يكون بتسلسلٍ هرمي، تحتل مساحات المعيشة مقدمة المنزل بينما تنفرد المساحات الأكثر خصوصية في الخلف منه، حيث نلاحظ بأن دورات المياه وغرف النوم مثلاُ وقد تنحًّت إلى الخلف على طول المحور الجنوبي الشمالي على نقيض غرفة الرسم والمعيشة والمطبخ التي اجتمعت سويةً في مقدمة B-99 على طول المحور الشرقي الغربي الطولاني الذي يشكل بدوره العمود الفقري للمنزل.

وفي الطابقين الأرضي والأول ترتبط الغرف في الأمام وإلى الخلف بمساحاتٍ أشبه ما تكون بجسرٍ يمتد بجوار الساحة، وفي جوار هذه المساحات أيضاً يمتد جدارٌ بعمق قدمين والذي يخدم كأداةٍ تظليلية للنوافذ الكبيرة فضلاً عن تقديمه مقاعد خشبية تم دمجها بالجدار لتطل على الساحات المفتوحة.

لطالما كانت الساحات عنصراً أساسياً في العمارة الهندية والتي اعتدناها تقوم بتعديل المناخ إلى جانب كونها مساحةً اجتماعية وأكثر من ذلك… إنها مركزٌ للعبادة في المنزل أو ما يُدعى Brahmasthana، واليوم وفي منزل B-99 استطاع فريق DADA الاستفادة من هذه الفكرة من خلا تنظيم كافة عناصر التصميم حول الساحة المركزية في كلا الطابقين.

كما وحاول فريق العمل الاستثنائي إقحام سلسلةٍ من الساحات أو الفراغات الأصغر في كافة الطوابق بهدف إغراق المنزل بالضوء الطبيعي ودعماً لنظرية التهوية الطبيعية حتى باتت هذه المساحات أشبه برئتين للمنزل، ولم تكتفي بذلك فحسب، إذ تؤمن هذه إطلالة رائعة باتجاه المناظر الطبيعية الخارجية من أي غرفة، كما ويقوم المقطع العرضي للساحة بتدعيم هذه الفكرة من خلال المقاعد القابعة باتجاه الشمال، مما يٌسهم بخلق ساحاتٍ مقابلة للجنوب وكذلك الأمر بالنسبة للطوابق العليا.

من جهةٍ أخرى نلاحظ بأن منطقة المدخل مزدوجة الارتفاع ترتبط مع درجٍ غير ثابتٍ والذي يعد الناحية الأبرز في تصميم المنزل، حيث يشكل الدرج الممتد على الطوابق الثلاثة من المنزل جسراً يربط ما بين القبو والمدخل في الطابق الأرضي وما بين الطابق الأول، وفي تفاصيل تصميمه قام معماريو DADA بصناعته من الفولاذ والخشب، ويمكننا أن نراه بمجرد دخول المنزل معلقاً في المنتصف قابلة جدارٍ شفاف ٍوبارتفاعٍ كامل، حيث متد هذه الكسوة الزجاجية الفولاذية بشكلٍ أفقي إلى الأعلى لتصبح جزءاً من السقف.

ولابد لنا أيضاً من تسليط الضوء على الركن الجنوبي الغربي من المنزل والذي يشكل بدوره المرآب والمدخل الرئيسي، إذ يضم هذا المرآب مكتبةً وطاولةً للقراءة في الطابق الأول، وتعتبر فتحة النافذة في هذه الغرفة عين المنزل التي تقابل جهة الجنوب، أما الجدار الغربي من هذا المكتب فيطل على الشارع وأشعة الشمس الحارقة القادمة من الغرب، الأمر الذي دفع بفريق العمل إلى ابتكار نوافذ من شأنها تعديل أشعة الشمس الداخلى إلى الغرفة.

وعلاوةً على ذلك فإن هذه النوافذ تقوم بخلق ما يشبه الصندوق حيث نرى هذا الصندوق الأنيق يحوم فوق زاوية الطابق الأرضي الشفاف بالكامل بصرياً، والذي يكون بدوره مفتوحاً من الأمام ومطلاً على مشاهد المياه، ويعزز من هذا المشهد الرائع العمود الفولاذي على شكل حرف V والذي يقوم بتدعيم هذه الزاوية ويعزز في الوقت نفسه من انطباع انعدام الوزن.

نلاحظ أيضاً بالانتقال إلى المواد المستخدمة في البناء بأن الطابقين الأرضي والأول مصنوعين من الحجر، بينما نرى الطابق الثاني أخف نوعاً ما والفضل لكسوته الخشبية التي كانت الخيار الأمثل للحفاظ على تركيبة المنزل الاستثنائية، أما المنطقة المقابلة لجهة الغرب فقد تم تدعيمها باستخدام مظلة كبيرة من الألمنيوم والفولاذ.

ولا يمكننا أن نتجاوز تقنيات الاستدامة الخضراء التي ركز معماريو DADA على إقحامها في التصميم، وبدايةً مع الفراغات الداخلية المرتبطة مع بعضها البعض، فقد ساهمت هذه الفراغات بتسهيل حركة التهوية الطبيعية وتبريد المساحات الداخلية في الصيف، كما وتم تركيب ألواح شمسية باتجاه الجنوب لتدفئة المياه في أيام الشتاء وإعادة استخدامها مرة أخرى في دورات المياه والمطابخ، مما ساهم في خفض تكاليف الكهرباء إلى حدٍ لا يصدق، والفضل طبعاً لهذا النظام الذكي الذي لا يحتاج معه السكان إلى سخاناتٍ كهربائية.

في نفس السياق ساهمت النوافذ الكبيرة بدخول الضوء الطبيعي إلى الداخل مما لغى الحاجة إلى استخدام مصادر الضوء الاصطناعية خلال اليوم، أما بالحديث عن مواد البناء فيمكننا الجزم بأنها طبيعية وصديقة للبيئة مئة في المئة، فمن الأخشاب إلى الألمنيوم والعديد العديد من المواد المعاد تكريرها، استفاد فريق العمل بخفض انبعاثات الكربون، وخير مثال على ذلك الاستوديو العائلي في الطابق الأرضي الذي تم غمر نصف كتلته في الأرض، والذي لا يحتاج على الإطلاق إلى نظام تدفئة في الشتاء باستثناء مكيفات الهواء وبأدنى درجة في الصيف.

وتبقى الفكرة الجوهرية في منزل B-99 هي خلق نموذجٍ للانصهار بين القيم التقليدية والمعاصرة في قالبٍ معماريٍ استثنائي، ومما لاشك فيه أن النتيجة قد كانت مرضيةً كل الرضى لمعماريي DADA الذين استطاعوا دمج مبادىء الحداثة في بيئةٍ جدُّ تقليدية والفضل للخطوط الواضحة والبيضاء التي نجحت بتلبية احتياجات جيل الشباب ممن يبحث عن تصاميم عصرية تراعي في نفس الوقت حرمة التقاليد الهندية.

إقرأ ايضًا