أسطورةٌ تتجلى على أرض الواقع

3

في مشروعٍ مثيرٍ للدهشة والإعجاب، قدم المعماريون Álvaro Siza و Carlos Castanheira و Jun Sung Kim من مكتبهم المشترك في البرتغال تصميمهم المذهل لمتحف الفن الحديث “متحف المحاكاة” أو Mimesis Museum الذي يجري إنشاؤه حالياً في مدينة Paju Book City في كوريا الجنوبية. إذ يستوحي هذا المتحف شكله من صورة قطة رسمها أحد معماريي المشروع عند تواجده في هذ الموقع تحديداً محاكياً بذلك قصة الأسطورة الصينية القديمة.

تروي هذه الأسطورة أنه كان هناك إمبراطور صيني مولعٌ بالقطط أمَرَ أشهر الرسامين في بلاطه برسم لوحةٍ لقطةٍ، إلا أنه انتظر سبع سنين قبل الحصول على اللوحة التي رسمها الفنان بطريقةٍ رائعةٍ أمام دهشة الإمبراطور وذهوله في ثانيتين فقط، وباستخدام ورقةٍ من قش الأرزّ ومحبرةٍ وفرشاةٍ لا يوجد مثيلها سوى في الشرق، إلا أن هذا الرسام وعلى الرغم من استغراق اللوحة فترةً قصيرةً قد طلب من الإمبراطور أجراً هائلاً كونه قد استمر في التدرب على رسم القطط لمدة سبع سنوات لكي يصل لهذه الدرجة من البراعة والاحترافية. ومن هنا بدأت فكرة هذا المتحف.

لكن زبون هذا المشروع، وهو مؤسسة Open Books المستقلة في المملكة المتحدة لتقديم مطبوعاتٍ واسعة الانتشار في مجال الدراسات الثقافية والعلوم الإنسانية، لم يكن عليه أن ينتظر سبع سنين، هذا لأن المعماري Siza أيضاً قد قضى السنوات السبع الأخيرة من عمره في التمرُّن على رسم القطط.

يمتلك المتحف كتلةً إسمنتيةً انسيابيةً بلون القطة الرمادي، تلتف حول فناءٍ مركزيٍّ بوحيٍ من اللوحة التي رسمها Siza. وهكذا جاء المتحف على محاكياً شكل قطةٍ متكورةٍ ومفتوحةٍ تتمدد وتتثاءب على أرض الموقع، لتصبح منظراً لا يمل المرء من النظر إليه إطلاقاً.

إذ يمتلك هذا المبنى الممتد على ثلاث طوابق منطقةً للخدمات في القبو، ومساحات عرضٍ ومنطقة استقبال على الطابق الأرضي يطلّ عليها طابق وسطي بمقهى ومنطقة لطاقم العمل، بينما يكون الطابق الأول بأكمله عبارة عن مساحة عرض.

كما يمتلك الجزء الداخلي جدراناً وأسقفاً مطليةً بماء الكلس وأرضياتٍ رخاميةً وخشبيةً على الطابقين الأرضي والأول على التوالي. في حين يأتي الخارج من الإسمنت الرمادي الشاحب مفصّلاً بنوافذ فولاذية الإطار.

في الواقع، لم يفهم أعضاء فريق التصميم في البداية كيف يمكن أن يتم بناء مخططٍ لقطة. ولكن المعماري الطموح Siza أصر على تنفيذ المشروع، فقد أُغرِم هو الآخر بهذه الفكرة بعد أن رأى الكثير من مخططات القطط على مدة سبع سنوات. ولكن الحقيقة التي لم ينكرها أحد منهم هي بدء المعاناة بعد مرحلة رسم المخطط مباشرة، حيث يجب الانتقال إلى مرحلة التنفيذ الصعبة.

الأمر المثير للإعجاب هو أنه وبعد أن رأى الزبون الكثير من التصاميم الأولية والنماذج والرسومات والتصحيحات والشكوك والرسوم الجديدة والنماذج الجديدة التي قُدِّمت له، لم يكن بإمكانه إخفاء دهشته لدى رؤية هذا التصميم.

وحالما تم تحصيل الموافقة عليه، بدأ المعماريون بالتقدم عبر الخطوات المعتادة، التي تكون عادةً أقصر وأقلّ بيروقراطيةً في كوريا. لحسن الحظ، لم يتم تغيير ملخص التصميم، على الرغم من ضرورة إجراء بعض التعديلات كجزءٍ من عملية التطوير.

بعد ذلك، جاءت مرحلة التفكير بالمواد والتقنيات والبُنى التحتية والعقود التمثيلية، بحيث يفهم كل واحد من أعضاء فريق العمل دوره في محاولةٍ لإنجاح جميع الخطط. فبدءاً من القبو، يمكن إيجاد السجلات ومنطقة الخدمة وربما توسيعٍ لمنطقة العرض، كما تجري العادة في المتاحف التي يصممها Álvaro Siza.

أما الطابق الأرضي فهو مساحةٌ للوصول والتوزيع، ومناطق المعارض المؤقتة والمقهى والمطعم، مزودة جميعها بكافة التجهيزات اللازمة. في حين تستقر مناطق الإدارة ومناطق تحرك طاقم العمل ومنطقة الأرشيف الإداري ودورات مياه طاقم العمل على الطوابق الوسطية. ليبقى الطابق العلوي بأكمله مخصصاً لمساحة العرض.

بخصوص نظام الإنارة، تمت دراسة أنواع الضوء المستَخدم بدقةٍ متناهية، حيث تم اعتبار كلاً من الإنارة الاصطناعية والطبيعية ضروريتان على حدٍ سواء.

تتجلى السمة الأهم في التصميم في إمكانية الرؤية دون أن يكون الناظر مرئياً، فقد تم إنشاء الكثير من النماذج التي يمكن الدخول إلى بعضٍ منها. كما تتوفر العديد من الصور ثلاثية الأبعاد التي تؤكد على التقنية المتطورة التي استعان بها المصممون.

أما في الداخل، فينتشر اللون الأبيض على الجدران والأسقف وعلى الرخام الذي يأمل المعماريون أن يتمكنوا من إحضاره من مدينة Estremoz البرتغالية الشهيرة به، إلى جانب اللون العسلي للسنديان. وقد تم استخدام الخشب للأطر الداخلية والزجاج كذلك، في حين استُخدِم الخشب والفولاذ المطلي والزجاج البلوري على النوافذ الخارجية.

في الواقع، يثبت هذا المشروع المعبِّر عن إبداع الفن الحديث حقيقةً واحدة: كل شيءٍ -مهما كان معقداً- قابلٌ للتنفيذ بقليلٍ من الإصرار.

إقرأ ايضًا