العمارة التاريخية والعمارة المعاصرة..هل هو صراع الجبابرة؟

7

بلغت محاكاة العمارة التاريخية ذروتها في عام 1927 في تصميم قصر الأمم في جنيف وهو المقر الرئيس لعصبة الأمم الذي أصبح الآن ثاني أكبر مكتب من مكاتب الأمم المتحدة.

من جهةٍ أخرى صرّح Henri Paul Nénot وهو أحد المعماريين الفائزين ذات مرة عندما كان رئيساً لقسم العمارة في أكاديمية الفنون الجميلة في باريس في عام 1895، بأنه في غاية السعادة لوصوله إلى هدفه وهو الفنون الجميلة، منتصراً على العمارة البربرية التي كانت موجودة منذ سنواتِ قليلة، ويبدو جلياً أن Nénot كان يقصد العمارة المعاصرة بدون أدنى شك.

أما المعماري السويسري العريق لوكوربوزيه Le Corbusier الذي شارك في المسابقة أيضاً كان محبَطاً بخصوص النتائج وأكثر من محبط، ويظهر ذلك واضحاً من خلال كتابه Vers une architecture الذي شنّ فيه حرباً صريحةً على العمارة المعاصرة، والذي أصبح من أكثر الكتب تأثيراً في العمارة حتى الآن.

ولكن في المقابل فإن كتابات Abbé Laugier و Jean-Nicolas-Louis Durand و Eugène Viollet-le-Duc ولوكوربوزيه، كانت الأساس لنشوء نظرية العمارة المعاصرة، هل يعزا ذلك إلى اشتراكهم في مكان الولادة أو الوفاة أو ربما اشتراكهم بنفس المدينة التي قضى فيها معظمهم سنين العمل أو الدراسة، وهي باريس التي جمعتهم؟

فهذه المدينة الغنية بتاريخها تعم البساطة شوارعها ولكن التميز في نفس الوقت على نقيض الجوار الذي تطغى عليه الكلاسيكية الجديدة.

والآن نسلط الضوء على منزل Galvani من تصميم Christian Pottgiesser من شركة architecturespossibles الفرنسية، ويتألف هذا المنزل الذي تطغى عليه ملامح العمارة الحديثة على نقيض المباني التاريخية بجواره من ثلاثة طوابق بحاجة للتوسع باتجاه الساحة المعبدة خلف المنزل وبالتالي ليضم المنزل سبعة أفراد.

كما وقد تم الأخذ بعين الاعتبار الحدائق العامة وحدائق المنزل إلى جانب معايير البناء الحالي ورغبة الزبون، الذي طلب الحفاظ على الحديقة عند مستوى الشارع، ولم يكن الحفاظ على الإطلالة على المبنى القديم عائقاً في وجه المصمم على الإطلاق بل كان المجال مفتوحاً لخلق مرآب وقاعة دخول بالقرب من الشارع.

أما المشكلة الوحيدة التي واجهت فريق العمل فهي قوانين البناء في المدينة التي لم تكن لتسمح ببناء أكثر من طابق أرضي وطابق علوي واحد فقط، بينما تمت تغطية الواجهة بالأحجار الباريسية كتلك الموجودة في متحف اللوفر.

لقد استطاع التصميم أن يلبي رغبة الزبون الذي طالب بوجود ستة مساحات والتي تمت تسميتها تبعاً لوظيفتها واحتياجاتها؛ المدخل والمطبخ إلى جانب غرفة للضيافة مكشوفة وحديقة مصحوبة بغرفة للضيافة ولكن محجوبة وغرفة لمشاهدة الأفلام مع الأصدقاء وسيارة أي المرآب.

ويمكننا القول بأن التصميم ثلاثي الأبعاد قد أثبت جدارته هنا بالنظر إلى السطح الواحد الذي قام بالاستجابة إلى كل هذه المطالب، وذلك من خلال ربط عتبة المبنى القديم والمدخل الجديد الذي يمتد بدوره وينحني وينعطف بهدف التكيف مع التصميم تحته وفوقه وأمامه.

فعند رؤيته من الشارع نلاحظ بأن هذه التقنية الفريدة تعمل على نحو خفي بعيداً عن أعين المارة، في حين يبقى العنصر الأكثر تشويقاً، الكتلة القرميدية التي تزن مئات الأطنان المحلقة فوق الحديقة إلى جانب اثنين من الجدران الزجاجية تخترقهما شجرة الجير الحارسة للمنزل.

ويسترعي الانتباه أيضاً وجود الحديقة العمرانية والتي تصلح ككسوة علوية للسطح الإسمنتي؛ الذي يضم المطبخ وغرفة الطعام والمرآب، والتي تمت إضاءتها بشكل جيد عبر ساحتين مفتوحتين من جهة السقف.

وأخيراً وليس آخراً يظهر النموذج الأولي للعناصر المحلية بالنظر إلى المدفأة ذات الطابع المستقل والحجم الهائل والتي تتخذ مكاناً لها على الأدراج ولكن لا تلمس الأرض بتاتاً، فقد استطاع التناقض في استخدام المواد والألوان الحيوية والمشاعر الحسية والجمالية بالإضافة إلى بناء الحديقة الأكثر من رائع أن يأخذنا بالذاكرة نحو أعمال Luis Barragàn (1902-1988).

ومع فائق احترامنا للعمارة المعاصرة إلا أن كل شيء هنا يبدو وكأنه خلق ليموت، وكأن كل التفاصيل تتألق فقط عند غيابها.

إقرأ ايضًا