وجوه من الأردن

28

تنحدر عائلة الدكتور مراد من مدينة الطفيلة في جنوب الأردن التي غادرها والده فرحان الكلالدة إلى العاصمة عمّان في الأبعينات من القرن المنصرم، حيث ولد في العام 1962 وأنهى دراسته الأساسية في كلية الحسين الثانوية في العام 1980. وقد غادر إلى ألمانيا في العام نفسه ليدرس اللغة في مدينة ليبزغ وينتقل بعده إلى مدينة الفن والأدب الألمانية الشهيرة فايمر، التي اكتسبت شهرة واسعة لتواجد الأديب الماني الشهير جوته فيها لسنوات عديدة، وليتخرج من إحدى أشهر المدارس المعمارية في العالم وهي جامعة باو هاوس. ولا ينسى تلك اللحظات في صيف العام 1987 حين لامست رجله أرض المطار ليجهش بالبكاء لشدة حبه للأردن بعد غياب دام سبع سنوات. وخلال أيام معدودة باشر العمل في شركة شبيلات-بدران (سابقاً) ليحتك بالمعماري راسم بدران الذي يصفه بأنه من أعظم المعماريين في العالم. وبعد ممارسته مهنة الهندسة المعمارية لنحو خمسة عشر عاماً غادر مجدداً إلى أوروبا وإلى النمسا بالتحديد ليحصل على درجة الدكتوراة في الهندسة المعمارية بعد أن تخصص في موضوع الإختيار المكاني للمدن الصناعية وأثرها على التنمية الحضرية والإقليمية.

إن الحديث مع الدكتور كلالدة ممتع ومتشعب لما له من امتدادات واسعة في مجالات الهندسة والفن المعماري. فهو مصمم ممارس من ناحية، وأكاديمي نشط ساهم كمؤلف منفرد أو مشارك في إصدار عشرة كتب منشورة.

ولإلقاء مزيد من الضوء على المحطات الهامة في حياة هذا الوجه الأردني سألنا الدكتور كلالدة عن ولوجه لعالم الإستشارات الهندسية في سن مبكرة فأجاب بأنه قد قام فعلاً بفتح مكتبه الهندسي الخاص فور إنهاءه للخدمة العسكرية والتي لا يحب أن يسميها بالإجبارية؛ فقد كانت تجربة غنية فعلا مارس فيها الإشراف الهندسي على الأبنية في سلاح الصيانة الملكي. وقد كلفه خاله المرحوم معالي الدكتور جمال البدور بتصميم سكنه الخاص فور تخرجه من الخدمة على الرغم من صغر سنه وقلة خبرته في ذلك الوقت، وهو يعتبر أن هذه الفيلا التي تقع في دابوق بعمان من المشاريع التي يفتخر بها دوماً.

وقد قام بعدها بتصميم العديد من المساكن للأقارب والمعارف والإشراف على تنفيذها. وقد تخلل هذه الفترة دعوته للتأليف للمنهاج الصناعي في وزارة التربية والتعليم فقد كان أحد أربعة مؤلفين لكتابين يدرسان في الوقت الحالي هما كتاب علم الصناعة -البناء والتسليح والطوبار وكتاب علم الصناعة- القصارة والتبليط والدهان. وقد قرر بعد سبع سنوات من التفرغ في المكتب وبسبب الركود الذي أصاب السوق الأردني أثناء حرب الخليج الأولى أن يلتحق بالجمعية العلمية الملكية، حيث جاء تعيينه بالتنافس وبسبب نشاطه في مجال التأليف لإعداد دليل المواطن للبناء لصالح المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري، والذي يتألف من ثمانية أجزاء أعد منها خمسة أجزاء. وقد عاد بعد ذلك إلى القلم المحبب إلى نفسه وإلى الكمبيوتر ليصمم توسعة مدينة الحسن الصناعية في إربد، وليساهم في الحصول على تكليف الجمعية لتصميم مدينة معان الصناعية، والتي تعتبر أكبر مشروع متكامل قام بتصميمه الحضري والمعماري، والذي بلغت مساحته 2500 دونم. إلا أن هذا المشروع قد ترك في نفسة غصة لن تزول بسبب استبدال المباني المصممة من قبله على الطراز العربي بأخرى فرضها المستثمر الصيني، وحتى أنها لا تمت إلى الصين ولا لغيرها من الطرز المعمارية بصلة. وما إن فرغ من ذلك إلا أن كُلف بإعداد التصاميم الهندسية للضاحية السكنية للعاملين في مناجم الفوسفات في الشيدي، والذي أنجزه والفريق العامل بوقت قياسي وأصبح حقيقة واقعة على الأرض.

كما انضم إلى الفريق العامل على إعداد كودات البناء الوطني الأردني في الجمعية، وقام بإعداد الكودة العربية الموحدة- متطلبات البناء لذوي الإحتياجات الخاصة المنشورة عام 2003، والكودة العربية الموحدة لمتطلبات الفراغ المعماري قيد النشر.

أما وقد حصل على فرصة لإكمال دراسته الأكاديمية فقد استغلها ليغادر إلى النمسا، ويتفرغ لإعداد أطروحته التي ارتبطت بخبرته في تصميم المدن الصناعية، فقد رأى أن الإختيار المكاني للمدن الصناعية في الأردن لم يكن يتم على أسس حسابية، ولا يرتبط بالتجمعات السكانية الموجودة والمبتغاة. فقد صمم نظاماً محوسباً هو الأول على المستوى العالمي لإختيار مكان المدينة الصناعية -وهذه حقيقية- كون الحصول على هذه الدرجة في الدول المتقدمة يتطلب تقديم دراسة جديدة غير مطروقة من قبل، وقد حددت جامعتين للإشراف على الأطروحة الأولى هي غراتز، والتي غطى فيها البروفيسور الهولندي Meuwissen الجانب الهندسي من الرسالة، وغطى البروفيسور شونبك من جامعة فيينا التقنية Vienna Technical University الجانب الإقتصادي. وقد قامت مؤسسة المدن الصناعية مشكورة بنشر الأطروحة على شكل كتاب. وبالإضافة الى كتبه العشرة فللكلالدة أكثر من خمسين مقالة منشورة في مجال تخصصه.

ورغبة منه في ممارسة العمل الأكاديمي في الجامعة فقد التحق بكلية التخطيط والإدارة في جامعة البلقاء التطبيقية في العام 2002، ومن ثم كمحاضر غير متفرغ في معهد العمارة والفنون الإسلامية في جامعة آل البيت لفصليين متتاليين. وإلى جانب المحاضرات الأكاديمية فقد عرف عنه الدخول الى مرسم التصميم وبحوزته شنطة تحوي أقلام الرصام والألوان ليتفاعل مع الطلبة من خلال الخطوط والألوان. وقد شده قلمه المعماري مرة أخرى إلى مجال التصميم، حيث تفرغ لمدة عامين كمدير لدائرة تصميم في شركة سيجما. ويبدو أن الدائرة التي كانت تشكل دوماً إلهاماً له في تصاميمه قد سحبته مرة أخرى ليعود إلى ما ابتدأ به مبكراً، وليعاود فتح مكتبه الخاص مرةً أخرى تحت مسمى جديد هو (صناع العقار www.kalaldeh.com) إيمانا منه بأن صناعة العقار تبدأ بمهارات التصميم، والتي يجب أن تستند إلى أسس أكاديمية صلبة تعززها متابعة حثيثة أثناء التنفيذ. وقد أنجز بالتعاون مع دار العمران التصاميم الهندسية لتوسعة معهد مادبا لفن الفسيفساء والترميم قيد الإنشاء، وأنجز بالتعاون مع اتحاد المستشارين أعمال التخطيط الحضري وأسس التصميم المعماري لواحة الحجاج باللغتين العربية والانجليزية والتي تقع بالقرب من معان.

أخيراً، نبشّر كل قراء ومتصفحي بوابتنا العربية للأخبار المعمارية بأننا سننشر سلسلة كاملة للدكتور الكلالدة على شكل مقالات صغيرة تشرح تسلسل عملية البناء ابتداءً من إعداد المخططات الهندسية إلى اكتمال عناصر البناء بطريقةٍ سهلة ومبسطة، تتيح للقارئ غير المختص المتابعة والإستفادة… فتابعونا.

إقرأ ايضًا