جديد نيويورك المعماري

30

… وجديد نيويورك المعماري، هو، بالطبع، ناطحات سحابها الشاهقة، فلا تذكر نيويورك، إلا ويحضر “إميجها” البانورامي المتشكل من سلاسل لمبانٍ، تبدو به مزدحمة جداً، وعالية جداً؛ ما يسبغ عليها بريقاً خاصاً، “.. بريق- كما كتبت عن نيويورك، مرة- تبتدعه وقائعها الثقافية ذات الأحداث الحافلة بالتفرد والاستثنائية، المكتنزة دوماً بالإبداع والحداثة.

إنها مدينة ذات أهمية تاريخية ترتقي لتكون أسطورية! سواء في نوعية تخطيطها أم في أسلوب مبانيها وطبيعة أحداثها وطريقة تأسيسها. ورغم تعدد أسمائها، فقد ظلت محافظة على بادئة “نيو”ها، نزولاً عند رغبة آبائها المؤسسين، الذين وجدوا فيه تمثيلاً وتذكاراً لمدنهم الأصلية السابقة”. (http://www.elaph.com/Web/Culture/2010/8/591128.html).

وجديد نيويورك المعماري يغوي بالمشاهدة و..الكتابة عنه. إنه مهم مهنياً ومثير نقدياً. وفيه يتمثل جلال الطروحات المعمارية الجديدة، مثلما يشير إلى حضور بهي لأسماء معمارية لامعة. “.. فنيويورك هي مدينة الأحلام القابلة للتطبيق والتحقيق. بالنسبة إلى المعماريين كانت دوماً “متروبولس” الأفكار التجديدية وحاضنتها ومكان انتشارها. فقد صمم في مواقعها ألمع المعماريين العالميين. وبفضلها، بفضل “نيويورك” ذاتها، ذاع صيتهم وانتشرت مقارباتهم في أنحاء عديدة من العالم.

بالنسبة إليّ شخصياً، كانت تمثل، في معنى من المعاني، فضاءً افتراضياً، أجوب به مع طلبتي المصغيين لي يوما ما، في تقصٍ مثابر عن نماذج عمارتها الحداثية المليئة بها شوارعها وجاداتها ذات الأسماء “الرقمية” المتسلسلة!.” (نفس الموقع السابق). من هنا مقدار الأهمية المهنية الفريدة التي نتحدث عنها، ومن هنا، أيضاً، تلك المتعة النقدية المتأتية عن فعل قراءة المنجز النيويوركي الجديد، والتعرف على إبداعاته.

لا تتوخي هذه المقالة استحضار كل جديد نيويورك المعماري. إذ ستكون هناك انتقاءات شخصية، تسعى وراء رؤية ذلك الجديد وفق معايير خاصة، تنبع أساساً من التأكيد على طليعية المقاربات المنجزة لهذا الجديد، مع تأشير، جهد الإمكان، إلى أهمية وقيمة المعمار/ المصمم له.

يتغير المشهد المعماري النيويوركي باستمرار. يتغير عام إثر عام. إنه مشهد مسكون بالتغيير. بل إن السمة البارزة والأساسية له تكمن في ديمومة الحركة التغييرية واستمراراها. ومع أن مشهد التغيير، هذا، عصيّ على النمذجة، لكنه قادر على استيعاب مختلف المقاربات المعمارية المتنوعة، و”عجنها” في بوتقة واحدة، مضفياَ عليها إحساس ذائقة نيويروك الخاصة، العابق بنكهتها المميزة، ذلك الإحساس الذي يتوق كثر من المعماريين أن يكون حاضراً في تصاميمهم وإبداعاتهم المعمارية، رغم تنوع تلك المقاربات واختلافها.

يمنح جديد نيويورك المعماري، المتلقي إمكانية مضافة لرؤية الحدث المعماري ما بعد الحداثي، وهو “يعمل” في فضائه الواقعي، غير الافتراضي، شاغلاً موقعه المحدد في أحياء المدينة الشهيرة. ومن نافل القول التأكيد هنا، بان هذا الجديد، اتسم، غالباً، على جرأة تصميمية مغالية، بدت، في أحيان كثيرة، صادمة للجمهور.. وللنقاد في آن معاً. لكن بمرور الزمن، تغدو تلك “الفورمات الصادمة” غير العادية أمراً عادياً، تتسم مع خصوصية بيئة المدينة المبنية، الحافلة، دوماً، بالجديد وغير المألوف. عندما اكتمل في سنة 2006، مبنى “هيرست بيلدينغ” Hearst Building الواقع على الجادة الخامسة في قلب مانهاتن، وقف أمامه، مصممه “نورمن فوستر” (1935) N. Foster، المعمار البريطاني الشهير، مع زملائه المعماريين، وكأنه يحدث نفسه بصوت عال “… إنه منظر ليس طائشاً بالمرة، كما تعلمون!”، مضيفاً إلى ذلك جملته الشهيرة “.. إنها نيويورك!” مسوغاً بذلك غرائبية الشكل المعماري المتحقق. نعم، إنها نيويورك، التي يمكن لها أن تتجاسر وتقبل “صرعات” المعماريين، (المعماريين الأكفاء والمجدديين والطليعيين، طبعاً!) ..عن طيب خاطر. وهو أمر لا يمكن توقع حدوثه في أية مدينة أخرى، بتلك السهولة التي يحدث فيها: في نيويورك!.

ومبنى هيرست (2006)، هو أحد جديد نيويورك، ويتعين الوقوف عند عمارته ملياً. وعمارة هيرست غرائبية حقاً. وغرائبيتها لا تقتصر على شكل المبنى الفريد، وإنما يشمل، أيضاً، أسلوب “توقيعه” غير المألوف. إذ ينهض المبنى المتكون من 46 طابق وبارتفاع 182 متراً، على قاعدة، هي في الواقع مبنى آخر بارتفاع 6 طوابق، أنشأ عام 1928، وكان مخططاً له أن يكون مبنى شاهقاً، أي ناطحة سحاب. لكن الأزمة الاقتصادية وما نجم عنها من ركود، التي ضربت أمريكا وقتها، جعلت من استمرار تشييد المبنى أمراً صعباً. وتوقف البناء في حينها عند ذلك الارتفاع. وكان على هذا المبنى أن ينتظر ثمانية عقود تقريباً، ليمنحه “نورمن فوستر” لاحقاً فورمه الاستثنائي، الفورم الذي ليس له مثيل في جميع مباني نيويورك، هي التي كانت عمارتها على الدوام متخمة بفورمات، جريئة وغير عادية.

في مبنى هيرست تغدو الإثارة المترتبة عن تنظيم الفضاء الداخلي (الإنترير)، معياراً ودليلاً لما يمكن أن تكون عليها نوعية معالجة الهيئة الخارجية للمبنى (الإكسترير). فالغرابة وعدم المألوفية هما ما يسم كلاهما: الإنترير والإكسترير. إذ تبدو كتلة المبنى وشكله الخارجي، وكأنهما يماثلان شكل الياقوتة/الجوهرة، بأوجهها المتعددة، والمغلفة، هنا، بنوافذ مثلثة يصل ارتفاعها إلى أربعة طوابق كاملة، وبأشكال، على غرار ما يعرف الآن، بالشبكة الوترية Diagrid ، المثبتة بروافد Trusses معدنية. ويتبدى المبنى بقاعدته القديمة وبرجه الحديث، كمثال جيد للتصادم والتعارض اللذين جبلتا عليهما عمارة ما بعد الحداثة؛ ذلك لأن حدث جمع أو تركيب Synthesis (أو بالأحرى، “الجـَمِيعة” بلغة صاحب المورد)، هذين العنصرين، بات الحدث الطاغي والمهيمن في الكل.

وقد وجد أحد النقاد في عمارة مبنى هيرست، ثمة .

وبهذا “التناقض” و”التعقيد” اللذين تكلم عنهما مرة “روبرت فنتوري”، تكمن، هنا، نوعية العمارة المبتدعة، هي التي بمقدورها أن تشيد في مثل هذه المدينة، التائقة نحو تميز مثل هذا “التناقض”، والمتطلعة إلى تفرد مثل هذا “التعقيد”، والتي عبر عن خصوصيتها معمار “هيرست بيلدينغ”، بمقولته المختصرة والموحية: “… إنها نيويورك!”.

ولئن سعى “نورمن فوستر” وراء البحث عن غرابة تكوينية عبر مبناه النيويوركي، فإن “رينزو بيانو” Renzo Piano) 1937)، حرص على تأكيد نهجه التصميمي، من خلال تقديمه مشروع مبنى “نيويورك تايمز بيلدينغ” (2007)، الواقع على الجادة الثامنة. ذلك النهج، الذي عرف عنه، منذ أن “بهر” العالم المهني مع صديقه، وزميله، وشريكه السابق “ريجارد روجيرز” R. Rogers، عندما شاركا في مسابقة “مركز بوبور الثقافي” في باريس في مطلع السبعينات، وفازا به، ونفذ لاحقاً ما بين 1971-1977، باسم “مركز بومبيدو”. وفي حينه، اعتبر ظهوره، إيذاناً لتجلي عمارة “الهاي- تيك” في المشهد المعماري، العمارة، التي قال عنها المحرر الثقافي لذات الجريدة، التي سوف يصمم مكاتبها الجديدة؛ من أن المبنى “استطاع أن يقلب العمارة العالمية رأساً على عقب!”.

وبالضد من المبنى القديم للجريدة العريقة، ذي الواجهة الحجرية “التيرا كوتوية” Terra- Cotta، التي تعيد الأذهان تقاليد الرنصانص الفرنسي بالقرن الرابع عشر، فإن المبنى الجديد “لنيويورك تايمز” مزجج بالكامل، فألواح طوابقه الزجاجية من الأرضية حتى السقف مربوطة بالهيكل الخارجي المصنوع من جسور على شكل حرف (I) سميكة مع قضبان ثانوية رقيقة. “يمكنك وأنت واقف في الشارع أن ترى المبنى كله، يقول رينزو بيانو عن تصميمه، لا شيء مخفي!” وبهذا فإنه يرفع من شأن “الشفافية” إلى مستويات جد عالية، وجد جديدة، كاشفاً بهذا عن مفهوم “شفافية” صنع الأخبار، التي تزعم الجريدة بأنه أحد شعاراتها.

وتصادياً مع الاهتمامات الشائعة الآن “بالاستدامة”، يذكّر بيانو محدثه الناقد المعماري من مجلة “آرشيتكترال ريكورد” بأن ذلك كان حاضراً دوماً في تفكيره عندما شرع بتصميم ، “..فالمعمار عليه أن يستوحي بعمارته الأحداث المرتبطة بأزمة المناخ.. ثمة رقة مطلوبة، مع الأرض والبيئة، فهذا، الآن، يشكل جزءاً من ثقافة جديدة..”.

ولهذا فإن المعمار يحرص أن يكون مبناه منطوياً على مزيد من الخفة، والحيوية، واللامادية، وطبعاً، الشفافية. من هنا يمكن تفسير وجود شبكة في أعلى المبنى، بارتفاع ستة طوابق، إنها تضيف بعدا آخراً إلى القمة، وتغدو كتلة المبنى بها أكثر خفة ورشاقة.

يتعين الإقرار، أيضاً، بأن إحياز مثل هذه المباني، تبدو من الداخل، ليلاً، جراء الشفافية المغالية، وعدم الإحساس بالفصل بين الخارج والداخل، وكأن حدودها ستختفي أو تزول نظراً لاكتظاظ الإنارة الفلوريسنتية، محدثة إحساسا “عكراً” لمتعة التواجد داخل فضاءاتها. وهو ذات الإحساس الذي يشعر به المرء، أيضاً، عندما يتواجد في إحياز مبنى “نيويورك تايمز بيلدينغ”.

إنه شعور لا يمكن إخفاؤه، حتى وإن كان في أحسن نماذج تلك العمارة “الشفيفة”، مثل مبنى “سيغرام بيلدينغ” Seagram Building النيويوركي، للمعمار ميس فان در رّو. والمبنى الأخير، رغم ذلك، يظل المبنى الأثير لديّ. عمارته، التي لطالما أغويت بها طلابي في بغداد، لسنين عديدة، على حبها، والابتهاج بحضورها. ولازلت حتى اليوم، أكنّ لأسلوب عمارته شغفاً عميقاً واهتماماً كثيراً، يدفعني أحياناً، إن أوصي جميع أصدقائي الذين قدرّ لهم زيارة نيويورك، أن يمروا على المبنى الواقع على “البارك أفينيو”، وإن يمسكوا جدرانه بيدهم، متلفظين بكلمات خاصة مرحبة، أزودها بهم، تقال في حضرته!.

كان آخر شخص “أكلفه” بذلك صديقي الفنان والناقد علي النجار. لكن فؤادي، لم حتى الآن، وهي يحس بها قلبي، عندما يفي أصدقائي بوعودهم. أتراه قد سهى؟ لكن ذلك، بالطبع، ..حكاية آخرى!.

ومع هذا.. فلا يزال، يرى “رينزو بيانو”، في مقاربته التصميمية إياها طاقة كامنة، باستطاعتها أن تثري الخطاب بنماذج تصميمية معبرة ومميزة. “أنا أحب الرشاقة، وأحب الشفافية، والعمارة الآن، تتصارع مع الجاذبية بكل ما تستطيع، ولكن بمواد قليلة. إن فكرة إبداع ، لهو أمر يشي بالنسبة إليّ، بمزيد من الحضرية، ويوحي إليّ بتعظيم الناس للسلوك الإنساني”؛ هكذا يقول رينزو بيانو، موضحاً مقاربته، إلى أحد النقاد المعماريين. وهو ما سعى إلى تحقيقه في “نيويورك تايمز بيلدينغ”، المبنى الذي يمكن اختزال خاصية عمارته بكلمة واحدة: “الشفافية”؛ الشفافية الحاضرة بقوة، وبوضوح، وبكمال وبتمام. فالمبنى المتكون من 52 طابق وبارتفاع يصل إلى 348 متراً، عُدّت عمارته إضافة رشيقة و”مشرقة” إلى بيئة “ميدتاون” مانهاتن الرمادية الشاحبة.

عندما يذكر برنارد تجومي (1944) B. Tschumi، المعمار سويسري المولد “كسموبولتاني” الإقامة، فإنه يذكر كأحد المعماريين الأساسيين الذين تمثلت بإنتاجهم المقاربة “التفكيكية. لنتذكر بارك “دي لا فيليت” Parc de la Villette) 1982-1998) في باريس، الذي عدّت تصاميمه من أوائل نماذج العمارة التفكيكية المتحققة. لكنه، هنا، في نيويورك، منهمك في إيجاد حلّ إشكالية مثيرة، وهي كيف يمكن أن يتبدى مبنى سكني متواضع الارتفاع ، ذو 17 طابقاً وبعلو 55 متراً (والتواضع هنا بمقاييس نيويورك طبعاً)، كيف يمكن له أن يهيمن على مجاوراته من المباني في الحي الشرقي النيويوركي؟. والجواب، لدى تجومي وهو: أن يظهر المبنى وكأنه “تاج”!.

نحن نتحدث عن “البرج الأزرق” Blue Tower) 2007)، الواقع على شارع “نورفوك ستريت” Norfolk Street، في “الإيست سايد”، والذي يعتبر المبنى السكني الأول للمعمار، والمبنى الثاني له في نيويورك، والمتضمن 32 شقة سكنية، بعضها بشرفات مكشوفة، مع شقتين على السطحPenthouses . ينهض المبنى على موقع بأبعاد صغيرة لا تتجاوز 30× 15 متراً، لكنه في نهوضه نحو الأعلى ، يسعى إلى امتداد “كابولي”، مانحاً فضاءاته مساحة أكبر، وتبدو هيئته، تبعاً لذلك، وكأنها “معلقة” فوق مجاوراته بالأسفل. ينطوي المبنى، أيضاً، على أسلوب مميز في معالجة الواجهات، التي اتسمت بصبغتها الزرقاء وتدرجاتها من الأزرق السماوي، إلى النيلي والياقوتي وإلى اللازوردي، فضلاً على “تقطيعها” بأشكال هندسية، تستحضر، إلى الذاكرة، “مربعات” بيت موندريان الشهيرة؛ بيد أن المعمار يصر بأنها تمثل محض “واجهات بكسلية” Pixels، كناية عن تمثيل العصر المعاش ورمزاً إلى مآلاته!.

يُرى “البرج الأزرق” بشكل مؤثر، عن بعد. ويظهر بكتلته غير المألوفة، مع تقسيمات واجهاته البكسلية التي يتغير لونها تبعاً لتغير الإضاءة “المسكوبة” عليها، وكأنه “مارد” يبرز فجأة من بين مجاوراته من المباني ذلت الهيئات العادية، مثيراً انتباه معظم ساكني الحي الشرقي النيويوركي وزواره. وقد دعاه جيرانه، بتلاعب لفظي، “بالبرج المنتفخ” Bulge Tower، بدلاً من “البرج الازرق” Blue Tower.

وطالما أتينا على ذكر المباني “الملونة”، فإن من الصعب عدم ذكر أحد روائع “ذخيرة” جديد نيويورك المعماري، وأعني به مبنى فندق “ويستن نيويورك” Westin New York عند “تايمز سكوير”، المعمار: مكتب “آركيتكتونيكا” Arquitectonica (ومقرها الرئيس في ميامي، فلوريدا)، والمشيد سنة 2002. وأسارع بالقول، بأني من محبي أعمال “اركيتكتونيكا” إنها تبدو لي بهيجة، وممتعة، وفاتنة ودائماً تنطوي على مفاجأة، مفاجأة تصميمية تثير الحيرة والدهشة.. والمرح!. ومرحها مفعم بذائقة “اللاتينو” وصخبها وضجيجها.

وقد نفذت، وأعدت كثير من المشاريع في دول مختلفة، (بضمنها مشاريع مميزة في لبنان والإمارات، وتحديداً في دبي كمشروع البوابه ومجمع الفصول الأربعة وغيرهما). وتتميز، دوماً، لغة مشاريعها عن مجاوراتها تميزاً كبيراً، بحيث تغدو وكأنها “دخيلة” على سياق البيئة المبنية وغير منسجمة مع خصوصيتها. ومشروعها فندق “ويستن نيويورك” يبدو في فضاء مانهاتن، وبحسب رأى ناقد، لا تعوزه الفكاهة، “آوتسايدر” Outsider عن المكان، نظراً لشكله الفريد ولغته التصميمية غير العادية.

ومبنى الفندق يتألف من كتلتين إحداهما أعلى بقليل من الأخرى، يتصلان (ينفصلان؟) فيما بينهما، عبر شق لقوس منار بإضاءة خاصة، يمتد من الأعلى نحو الأسفل، عند قاعدة المبنى ذات الشكل المميز والغرائبي، المطلة على الجادة الثامنة. يحضر اللون في المعالجات التكوينية للمبنى، كعنصر مميز وأساسي. وهو يظهر بجرأة، وربما بتحدٍ في فضاء المدينة التي لطالما “تثقفت” على اللون الأحادي وهو الأزرق الرمادي. لقد تم “تخطيط” سطوح واجهات كتلة المبنى العالية بأشرطة عمودية مصبوغة بالأزرق الفاتح والأرجواني والخزامي، في حين تم تخطيط الكتلة الواطئة بأشرطة أفقية ملونة بالأزرق والبني. وثمة، أيضاً، ألوان بدرجات عديدة من البني الأحمر، تغطي كتلة قاعدة المبنى التي تبرز جانباً وبارتفاع 17 طابق. إنها ذات هيئة غير تقليدية، وجد فيها أحد النقاد، ما يشبه “الأرداف االمستعارة”.

لم تنج عمارة فندق “ويستن نيويورك” بعد تنفيذها، من تعليقات لاذعة، فعمارتها ذات حضور مثير واستثنائي. وأيضاً بسبب غزارة الألوان المستخدمة، وهيئات كتلها الغرائبية غير المألوفة. ورأى ناقد جريدة “نيويوركر” بأن “الجدران الزجاجية في مبنى “ويستن نيويورك” من أبشع الجدران الستائرية التي عرفتها مدينة نيويورك!”.

لكن المعمارة الرئيسة في “آركيتكتونيكا” لوريندا سبير” L. Spear، (وهي، بالمناسبة زوجة “فرناردو فورت- بريسكيا”: المعمار الذي يقود المكتب)، تقول بأن “ويستن نيويورك، لا علاقة له بميامي، كما لا علاقة له باللاتينو”، إن علاقته بموقعه المحدد”. وهو بالتالي معني في يكون حدثاً مميزاً يضاف إلى عمارة المدينة الكسموبولتية بامتياز.

وأيا يكن، فإن مبنى فندق “ويستن نيويورك” الفخم، أضحى الآن يمثل “أيقونة” بصرية للمدينة الضاجة بالأمثلة المعمارية الاستثنائية. كما أنه شكلّ أحد أهم نماذج “جديد نيويرك المعماري”، ذلك الجديد، الذي يمنح، بحضوره، كثر من المهتميين وخصوصاً المعماريين منهم، إمكانية تعقب وتفحص وقراءة المنجز المعماري العالمي في أوج تألقه الإبداعي، وفي أحسن نماذجه المصروف عليها ببذخ نيويوركي مشهود!

د. خالد السلطاني مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون

* اعتمدنا في كتابة المقال على مواقع عديدة في الشبكة العنكبوتية العالمية، كما استفدنا كثيراً من كتاب “ناطحات سحاب مانهاتن” لمؤلفه “إريك ناش” والصادر سنة 2010، عن دار برينستون المعمارية، في طبعته الثالثة.

إقرأ ايضًا