الحجر أم البشر؟

16

لطالما راودني سؤال لدى مشاهدتي للأوابد المعمارية.. من هو الأهم، الحجر أم البشر؟! ودفعني شغفي بهذا العالم أن أطرح هذا السؤال على كل من حولي على اختلاف أعمالهم واهتماماتهم وثقافاتهم، وأتت الإجابات يعتريها الإبهام والتشويش.. وهكذا قررت أن أبني لكم زاوية.. زاوية من الحرية.. تسكنها جنية تزور أذهان الناس في المنام وتستنطق منهم الجواب الشافي لنتشارك أنا وأنتم صدقها ونقاءها.

والسؤال هنا: من الأهم؟! طارت جنيتي وحطت في منام حاكم وسألته: الحجر أم البشر؟ فأجاب: طبعاً الحجر، هذا سيخلدني بين الأنام والحكام، حالي حال من بنى الهرم وغيره من الصروح. ثم طارت جنيتي وحطت في منام مقاول وسألته ذات السؤال، فأجاب بنفس الجواب مبرراً الربح في الكبير كبير.. ومنه إلى الأكبر. ثم عادت وطارت فحطت في منام معمار وطرحت عليه ذات السؤال، فأجاب: طبعاً البشر، فلولا البشر ما كان الحجر.

ابتهجت جنيتي وقوي حالها، واستمرت في طيرانها وحطت في منام رجل عادي من هذه الأمم، وسألته ذات السؤال، فصمت.. فأعادت طرح السؤال عليه، فأجاب: الحجر.. الحجر أهم من البشر، فهو يمنحني فخراً بانتمائي إليه. وعاد وأطبق عليه الصمت ثم نطق فقال: أنا ابن فلان وفلان وفلان من بنى كذا وكذا وكذا……

فتعبت جنيتي وتركته وهو لا يزال منطلقاً في تكرار كلماته الأخيرة… وعادت إلي مرهقة شاكيةً، فقالت: ألم يعلم هذا الحاكم أن ليس للحجر لسان ولا صوت وأن البشر من سيذكرونه ومن سيخلد اسمه، وأن لسان داعٍ بالخير خير من حجر أخرس؟! أما علم المقاول أن البشر هم من فكر وصمم وبنى الحجر، ومن دونهم ليس هنالك ربح صغر أو كبر؟! أما ذلك المواطن فبفكره هذا استحق حاكما ومقاولا يعطونه الفخر قوتا وشراباً.

ثم نامت جنيتي مرهقةً من التعب وتركتني أتساءل: لم اليوم الحجر أهم من البشر؟ هل لأننا في زمن ليس فيه من الحضارة إلا أدواتها؟ أم لأننا مازلنا في زمن يعتقد فيه البشر بأنهم أقل قيمة من البشر الذين مروا على هذه الأرض من قبل، وأنهم لا يستطيعوا بناء ما بنوه؟! وعلى الرغم من أنهم في زمن الآليات الضخمة وناطحات السحاب إلا أنهم لا يستطيعوا أن يبنوا البشر”..

فمن الأهم برأيكم “الحجر أم البشر”؟!!!

إقرأ ايضًا